فهاجر إلى المدينة، وتتابع عليه نزول الوحي، واستمر في دعوته، وجهاده، وفتوحاته، حتى عاد إلى مكة ظافراً فاتحاً.
وبعد ذلك أكمل الله له الدين، وأقرَّ عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين، ثم توفاه الله وعمره ثلاث وستون سنة، أربعون منها قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً رسولاً.
وبه ختم الله الرسالات السماوية، وأوجب طاعته على الجن والإنس؛ فمن أطاعه سعد في الدنيا، ودخل الجنة في الآخرة، ومن عصاه شقي في الدنيا، ودخل النار في الآخرة.
وبعدما توفاه الله - عز وجل - تابع أصحابه مسيرته، وبلَّغوا دعوته، وفتحوا البلدان بالإسلام، ونشروا الدين الحق حتى بلغ ما بلغ من الليل والنهار.
ودينه صلى الله عليه وسلم باقٍ إلى يوم القيامة.
فما القول في أميّ نشأ بين أميين، قام بذلك الإصلاح الذي تغيَّر به تاريخ البشر أجمعين، في الشرائع، والسياسات، وسائر أمور الدنيا والدين؟ وامتدَّ مع لغته في قرن واحد من الحجاز إلى آخر حدود أوربا وأفريقيا من الغرب، وإلى حدود الصين من جهة الشرق حتى خضعت له الأمم، ودانت له الدول، وأقبلت إليه الأرواح قبل الأشباح، وكانت تتبعه في كل فتوحه الحضارة والمدنية، والعدل والرحمة، والعلوم العقلية والكونية على أيدي تلك الأمة الحديثة العهد بالأمية، التي زكَّاها القرآن، وعلَّمها أن إصلاح الإنسان يتبعه إصلاح الأكوان؛ فهل يمكن أن يكون هذا إلا بوحي من لدن حكيم عليم.