ومما يدل عليه من النظر: تعلق قلوب الفقراء من أهل البلدة بهذا المال فصرفها إلى غيرهم كسر لقلوبهم ولا شك أن الشارع يراعي جبر خواطرهم.
وأما دليل الحالة الثانية: وهي أن يخرجها إلى موضع آخر بينه وبين البلدة دون مسافة القصر
فقالوا: لأنها بمعنى البلدة الواحدة لعدم قصر الصلاة بينهما فمن أتى من هذه البلدة إلى هذه لم يقصر، وكذلك العكس. وهذا فيه نظر، لأن ظاهر الأحاديث المتقدمة أنها تصرف في الموضع نفسه، ولذا قال صاحب الفروع:" ويتوجه احتمال بالمنع "(١) أي منع صرفها في بلدة أخرى وإن كانت هذه البلدة ليس بينهما وبين بلدة المال إلا مسافة لا تقصر فيها الصلاة وهذا القول هو الأرجح، وأن الزكاة مختصة بالموضع نفسه فلا يصرف إلى البوادي أو البلدان القريبة التي لا تقصر فيها الصلاة وذلك لظاهر الأحاديث ولما تقدم من التعليل وهو تعلق قلوب الفقراء بها والذين تتعلق قلوبهم هم فقراء البلد نفسه.
أما الحالة الثالثة: وهو أن ينقلها إلى بلدة تقصر فيها الصلاة:
- فالمذهب المنع وأن ذلك لا يجوز وهذا مذهب جمهور العلماء والدليل ما تقدم من الأدلة السابقة فهي دليل على أنه لا يجوز له أن يصرفها في بلدة أخرى وأنها إنما تصرف في الموضع نفسه.
وظاهر كلام الحنابلة وغيرهم أن ذلك ممنوع مطلقاً للسلطان ونائبه وصاحب المال، فلا يجوز لأحد منهم أن ينقلها من بلدة إلى بلدة أخرى.
فظاهر قولهم أيضاً أنه وإن دعت المصلحة لهذا، كأن تنقل لطلاب علم في بلدة أخرى أو لشديدي حاجة أو لثغر من الثغور الإسلامية أو لهلكة في بلدة من البلاد الإسلامية أو نحو ذلك وأن هذا لا يجوز مطلقاً.