وما قاله هو الذي تدل عليه آثار الصحابة: فقد روى الدارقطني بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: " كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل "(١) .
وروى مالك في موطئه بإسناد صحيح:" أن أسماء بنت عميس لما غسلت أبا بكر سألت الصحابة وفيهم المهاجرون والأنصار هل عليَّ من غسل؟ فقالوا: لا "(٢) .
وقد تقدم الحديث الذي فيه:(ليس عليكم في غسل ميتكم غسل [إذا غسلتموه] فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم) .
إذن: لا يجب بغسل الميت الغسل ولا الوضوء، وإنما يستحب، فيستحب لمن غسل الميت أو أعان في غسله بالمباشرة أن يغتسل أو يتوضأ ولا يجب عليه ذلك، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم.
قوله:(وأكل اللحم خاصة من الجزور)
الجزور هو: الأنثى أو الذكر من الإبل جمعه جُزُر، وهذا القول هو المشهور في المذهب وأن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، وهو مذهب أهل الحديث، وهو مذهب عامة الصحابة كما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر بن سمرة قال:(كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم)(٣) ولا يصح نسبة خلاف ذلك إلى الخلفاء الراشدين - كما ذكر ذلك النووي وغيره -، وإنما روي عنهم عدم الوضوء مما مست النار، وهذا عام في الإبل وغيرها، فالآثار إن صحت عنهم – فهي أنهم كانوا لا يتوضئون مما مست النار - وهذا مذهب عامة الصحابة كما تقدم، وهو مذهب أحمد وإسحاق، وذهب إليه بعض الشافعية كالنووي والبيهقي والإمام ابن خزيمة، ومن المالكية ابن العربي ويحيى بن يحيى، بل قال الشافعي:" إن صح الحديث قلت به ".
(٢) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجنائز، باب غسل الميت (٥٢١) بلفظ: " عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عُميس غسّلت أبا بكر الصديق حين تُوفي، ثم خرجتْ فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إني صائمة، وإن هذا يومٌ شديد البرد، فهل عليّ من غُسْل؟ فقالوا: لا ".