للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

، ومن شرب الخمر فقد انغلق عليه قصده فلا يدري ما يقول ومنه الغضبان كما سيأتي، وهذا القول هو الراجح لقوة أدلته، فعلى ذلك من شرب الخمر طوعاً وأغماه الخمر فطلق امرأته فإن هذا الطلاق لا يقع، والشرع إنما يعتبر الأقوال حيث كان المتلفظ بها في حالة عقل وقصد وأما حيث لا يعقل ما يقول ولا يقصده فإن الشارع لا يرتب على قوله شيئاً ولا يعتبر قوله.

الدرس الثالث والأربعون بعد الثلاثمائة

قال المؤلف رحمه الله: [ومن أكره عليه ظلماً بإيلام له أو لولده، أو أخذ مال يضره، أوهدده بأحدها قادرٌ يظن إيقاعه به فطلق تبعاً لقوله لم يقع]

هذه المسألة في حكم طلاق المكره، وجمهور أهل العلم على أن طلاق المكره لا يقع، ودليل ذلك قوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان} (١) ، فإذا كان الكفر لا يقع بالتلفظ به للإكراه مع أن الصدر منشرح بالإيمان، فأولى من ذلك الطلاق فإذا أكره فطلق بقوله ولم يقصد ذلك بقلبه فليس قلبه منشرحاً بالطلاق فإنه لا يقع، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) رواه أبو داود، والإغلاق هو انسداد باب العلم والقصد والمكره قد انسد باب قصده فهو غير قاصد للطلاق ولا مريدٍ له، ويدل عليه أيضاً: ما روى ابن ماجه والحديث حسن لغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (٢)


(١) سورة النحل (١٠٦) .
(٢) قال صاحب الأربعين النووية: " حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما ".
وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق (٢٠٤٣) قال رحمه الله: " حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي حدثنا أيوب بن سويد حدثنا أبو بكر الهُذلي عن شهر بن حوشب عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ".

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (٧ / ٣٥٦) في باب ما جاء في طلاق المكره فقال رحمه الله: أخبرنا أبو ذر بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكر وأبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي في آخرين قالوا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا الربيع بن سفيان نا بشر بن بكر نا الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) جود إسناده بشر بن بكر وهو من الثقات، ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي فلم يذكر في إسناده عبيد بن عمير.
أخبرناه أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ نا عمر بن سنان والحسن سفيان وغيرهما قالوا: نا محمد بن المصفى نا الوليد بن مسلم، فذكره، وقال: عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال: أنا عبد الله بن جعفر نا يعقوب بن سفيان نا محمد بن المصفى نا الوليد نا ابن لهيعة عن موسى بن ورد أنه قال: سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وضع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>