للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

والذي يدل على صحة العلة شيئان: أصل واستنباط فأما الأصل فهو قول الله عز وجل وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله والإجماع فأما قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلالتهما من وجهين: أحدهما: من جهة النطق. والثاني: من جهة الفحوى والمفهوم فأما دلالتهما من جهة النطق فمن وجوه بعضها أجلى من بعض فأجلاها ما صرح فه بلفظ التعليل كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} ١. وكقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما نهيتكم لأجل الدافة" وقوله: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر". وقوله: "أينقص الرطب إذا يبس فقيل نعم فقال: فلا إذن". أي من أجله فهذا صريح في التعليل ويليه في البيان والوضوح أن يذكر صفة لا يفيد ذكرها غير التعليل كقوله تعالى في الخمر: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} ٢. الآية وقوله صلى الله عليه وسلم في دم الاستحاضة: "إنه دم عرق". وكقوله في الهرة: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات". وقوله صلى الله عليه وسلم حين قيل له: إن في دار فلان هرة فقال: "الهرة سبع". وفي بعضها: "الهرة ليست بنجسة". فهذه الصفات وإن لم يصرح فيها بلفظ التعليل إلا أنها خارجة مخرج التعليل إذ لا فائدة في ذكرها سوى التعليل. ويليه في البيان أن يعلق الحكم على عين موصوفة بصفة فالظاهر أن تلك الصفة علة وقد يكون هذا بلفظة الشرط كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} ٣ وكقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" فالظاهر أن الحمل علة لوجوب النفقة والتأبير علة لكون الثمرة للبائع وقد تكون بغير لفظ الشرط كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ٤ وكقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل" فالظاهر أن السرقة علة لوجوب القطع والطعم علة لتحريم التفاضل وأما دلالتهما من


١ سورة المائدة الآية: ٣٢.
٢ سورة المائدة الآية: ٩١.
٣ سورة الطلاق الآية: ٦.
٤ سورة المائدة الآية: ٣٨.

<<  <   >  >>