للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضاها، وطابع الفكر الممزوج بالعاطفة، أو العاطفة التي يساندها الفكر، وهو الطابع الغالب على شعر هؤلاء الشعراء.

هـ- التجديديون بين النظرية والتطبيق:

وبعد، فهل وفت كل نماذجهم بمبادئ مذهبهم؟ أو جاءت كل أشعارهم ممثلة لدعوتهم؟ الحق أننا لا نرى التطابق الكامل بين مذهبهم النظري، وكل نماذجهم التطبيقية، وخاصة بعد امتداد الزمن بهم، وبعدهم رويدًا رويدًا عن التحمس لتجديداتهم، أو عن فترة رد الفعل الذي صاحب حركتهم، فقد رأينا العقاد ثملًا -وهو أقواهم شكيمة، وأشدهم تحمسًا لهذا المذهب- يعود فيمدح، ويشارك بشعره في بعض المناسبات، ويضطر إلى الاعتذار عن ذلك بأن المدح الصادق لا يعاب على الشاعر١، بل إننا رأينا العقاد وبعض رفاقه يعارضون بعض نماذج الشعر القديم، ومن أمثلة ذلك معارضتهم لنونية ابن الرومي، كما رأينا كثيرًا من نماذجهم لا تتحقق فيها الوحدة على الوجه الذين طالبوا به في كتاباتهم.

ومع ذلك قد أحدث اتجاههم تأثيرًا كبيرًا في حياة الشعر الحديث، وخلق تيارًا ثانيًا إلى جانب التيار الأول، قد يتشرك مع في بعض السمات، ولكنه يخالفه في كثير من الأسس، وهو بعد ذلك يمثل حلقة هامة في سلسلة تطور الشعر العربي الحديث، برغم أن الاتجاه المحافظ ظل مسيطرًا، وغالبًا على الشعراء وجمهور الشعر جميعًا، وربما كانت تلك الغلبة لما كان يساند كبيري الشعر المحافظ من اعتبارات خارجة عن طبيعة الفن، ككون شوقي شاعر القصر، والقادر على تحريك الأقلام وكسب الأنصار، وكون حافظ شاعر الزعماء السياسيين، والحائز على عطف طبقات الشعب، وربما كان لغلبة الطاقة الشعرية والقدرة البيانية عند واحد كشوقي، أثر في شيوع حب


١ ديوان بعد الأعاصير -المقدمة، وشعراء مصر وبيئاتهم ص١٨.

<<  <   >  >>