توفرت للخطابة في هذه الفترة عوامل عديدة دفعت بها أشواطًا في سبيل الرقي، حتى تجاوزت مرحلتي الانتعاش والنشاط إلى مرحلة التألق والازدهار، وبرغم أن أهم أنواع الخطابة في هذه الفترة كانت الأنواع السياسية، والقضائية، والدينية والاجتماعية -وهي الأنواع التي عرفت من قبل- فقد ارتقى كل نوع من تلك الأنواع رقيا ملحوظًا بما أتاحت له ظروف تلك الفترة من عوامل الرقي، ووسائل الازدهار.
أما الخطابة السياسية، فقد أتيح لها هذا الشعور الشديد بالحرية، والاعتزاز البالغ بالأوضاع الديمقراطية، مما أعقب ثورة سنة ١٩١٩، كما أتيح لها النشاط السياسي الزائد، والصراع الحزبي العنيف، مما أعقب نيل البلاد للاستقلال الشكلي، وفوزها بالدستور الشهيد، ثم فتحها للبرلمان المضطهد، وغرقها في الحزبية المتناحرة١.
وقد كانت كل هذه العوامل مما منح الخطاب السياسية مزيدًا من النشاط ومزيدًا من التجويد، حتى ازدهرت في المجالين الرسمي، وغير الرسمي كما لم تزدهر من قبل.
ففي المجال الرسمي -الذي كان يتمثل في البرلمان- كانت الخطابة السياسية وسيلة الحكومة لبسط خطتها، والإقناع بسياستها والدفاع عن موقفها، وكسب الثقة بها، كما كانت الخطابة أيضًا وسيلة المعارضة ضد الحكومة،
١ انظر: المقال رقم ١ من المقالات الممهدة لدراسة الأدب في هذا الفصل، وعنوانها "بين الروح الوطنية والاتجاهات الحزبية".