للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسوية، ومضت تسهم بشكل واضح في الحياة الاجتماعية.

فإذا جاوزنا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لتلك الفترة، إلى تلمس الجوانب النفسية، أو التعرف على "سيكلوجية" المجتمع حينذاك، رأينا أن النفسية الاجتماعية كانت -في أوائل ذلك العهد- مزيجًا من الشعور باستقلال الشخصية المصرية؛ والإحساس بالحرية الفردية، ثم من روح الثورة والرغبة في التغيير، وقد وصل الشعور بالاستقلال والحرية عند البعض إلى حد الغرور الذاتي أو الفردية الجامحة١، كما بلغ الإحساس بروح الثورة والرغبة في التغيير عند بعض آخر، إلى درجة التمرد أو التخبط، أو الهدم في بعض الأحايين٢.

أما بعد سنوات من ذلك العهد، وبالأخص بعد اتضاح انحراف الزعامات، وافتضاح حيل الاستعمار، وانكشاف تآمر القصر؛ وبعد تحول الاستقلال إلى حماية مقنعة، والدستور إلى خديعة يتلهى بها المستوزرون؛ وبعد التنكيل بكثير من المواطنين، والضغط على الحريات والانتكاس بمكاسب الشعب -بعد أن كان ذلك، قد تحول البعض إلى الشعور بالمرارة والإحساس بخيبة الأمل، مما أدى بطائفة إلى الانطواء على النفس، أو العكوف على الذات، أو الانعزال عن قضايا المجتمع٣، على أن نفرًا من هؤلاء كان يستسلم في انطوائه، وعزلته إلى الحزن واجترار الشكاية والألم٤، على حين كان يستعيض نفر آخر بألوان من المسكنات أو الملهيات؛ فيعيش على فلسفة استمتاعية، تلهي ذاته، وتزيد الهوة بينه وبين قضايا


١ كان من مظاهر هذا الشعور عند البعض، الدعوة إلى الانفصال عن آسيا وأفريقيا، بل الانفصال عن الماضي الإسلامي، كما نرى في بعض كتابات سلامة موسى حينذاك.
٢ كان من آثار هذا الإحساس عند البعض، الدعوة إلى التغريب حينًا، وإلى الفرعونية حينًا، وإلى العامية حينًا آخر، كما نرى في بعض ما كتب حينذاك بأقلام هيكل عن الفرعونية، وطه حسين عن التغريب، وسلامة موسى عن العامية.
٣ وقد عبر عن هذا الشعر الابتداعيون الذي انضم كثير منهم إلى جماعة "أبوللو".
٤ من أمثال الشاعر الهمشري المتوفى في ديسمبر سنة ١٩٣٨.

<<  <   >  >>