للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفوق الإخفاق والنجاح، بل فوق الموت والحياة؛ لأني ارتكنت إلى العمد الباقي.

" ... ليس مؤمنًا بالله من لا يؤمن بالوطن، أليست مصر كبرى أنعمه عليكم؟ أجري فيها كوثره، وأسبغ عليها رزقه، وكساها من جماله، وجعل لها السبق في الأولين ليلحق بها المتخلفون، وامتحنها في الحاضرين بمنحة التخلف لتنهض فتلحق السابقين؟.. إن من جحد نعمته، وعق كنانته، واتخذها سخرية ولعبًا، فهو بربه من الساخرين"١.

ومن أمثلة الخطابة الحفلية الخالصة -التي راعت الموقف فحسب- خطبة مكرم عبيد في حفل تأبين سعد زغلول، والتي يقول فيها:

"إذن فقد مات سعد، وهذه الحفلة الحافلة هي حفلة الزعيم في موته، أي وربي وحفلته الأولى! وهذه الجموع الحاشدة قد جاءت لتسمعه خطيبًا محدثًا. لا وربي، بل حديثًا يُرى! وهذه العيون اللوامع قد ألهبها بريق ناظريه، لا وربي، بل حرقة الذكرى! وهذا السكون، وهذا الخشوع، وهذا الجلال، إن هي إلا مظاهر العزة والعظمة للعزيز العظيم فينا، لا وربي، بل ضريبة الموت فرض على كل مصري أن يؤديها مرة بعد أخرى! فقد مات من كان حيًا في كل قلب وأصبحت حياته شيئًا يُتلى! وقد سكن من كان ناطقًا في كل لسان، وأصبح الكلام فيه دمعًا يُزْجَى.

"لقد دارت دورة الشؤم، فشاءت أن أرثي سعدًا باكيًا نائحًا، وقد اعتاد لساني ألا يذكره إلا شاديًا صادحًا، فسامحونا إذا ألح بنا الألم فضاقت عنه مآقينا، فقد حرمنا حعتى سلوة البكاء عليه في منيته، وحتى نظرة الوداع إلى جثته، وحتى خطوة التشييع في رحلته٢، وقد كان والله يحنو على أشخاصنا في محنته، ويبكي على أمراضنا في رحمته، ولا يبغي بنا بديلًا في غربته٣.


١ اقرأ نص هذه الخطبة في جريدة الجهاد عدد ١٠ فبراير سنة ١٩٣٤.
٢ يشير الخطيب إلى أنه كان خراج البلاد وقت موت سعد ودفنه.
٣ يشير الخطيب إلى ما كان من زمالته لسعد حين نفي إلى سيشل سنة ١٩٢١.

<<  <   >  >>