للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَلْبِكَ فَسَمِّ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ -شَيْئًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا- يَقَعُ عيله اسْمُ الشَّيْءِ لَا يُدْرَكُ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، غَيْرَ مَا ادَّعَيْتُمْ عَلَى الْأَكْبَرِ الْأَكْبَرِ، وَالْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ، وَالْأَوْجَدِ الْأَوْحَدِ١ الَّذِي لَمْ يزل وَلَا يزل. فَجَعَلْتُمُ الْخَلْقَ الْفَانِيَ مَوْجُودًا وَالْقَيِّمَ الدَّائِمَ الْبَاقِيَ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَادَّعَيْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِمَّنْ لَا يكف التَّكْيِيفَ، وَعَلى مَنْ لَا يُشَبِّهُ التَّشْبِيه، وَأَنْتُم دَائِبُونَ تُكَيِّفُونَ، وَتُشَبِّهُونَ بِأَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ. وَأَبْطَلِ الْأَمْثَالِ، فَمَرَّةً تُكَيِّفُهُ فَتُشَبِّهُهُ بِأَعْمَى، وَمَرَّةً بِأَقْطَعَ فَكَانَ وَعْظُكَ هَذَا لِهَؤُلَاءِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كَلِمَةُ جق يُبْتَغَى بِهَا بَاطِلٌ٢.

وَالْعَجَبُ مِنْ إعجابك بِهَذِهِ المقلوبات من تفاسيرك، وَالْمُحَالَاتِ مِنْ شَرْحِكَ وَتَعْبِيرِكَ حَتَّى رَوَيْتَ عَنْ مُجَاهِدٍ٣ أَنَّهُ قَالَ: لِلْحَدِيثِ جَهَابِذَةُ كَجَهَابِذَةِ الْوَرِقِ"٤ وَصَدَقْتَ أَيُّهَا الْمَرِيسِيُّ، وَمَا أَنْتَ وَاللَّهِ مِنْهُمْ، لَا مِنْ رِجَالِهِمْ٥ وَلَا مِنْ رُوَاتِهِ وَلَا مِنْ جَهَابِذَتِهِ، فَقَدْ وَجَدْنَا الزُّيُوفَ٦ عِنْدَكَ٧ جَائِزَةً نَقَّادَةً٨، وَالنَّقَادَةَ نَفَايَةً٩، فَكَيْفَ تَسْتَطِيلُ بمعرفتها، وَأَنت المنسلخ عَنْهَا؟


١ كَذَا فِي الأَصْل، وَفِي ط، ش "الأوجد الأوجد" وَفِي س "الأوحد الأوجد".
٢ هَذِه الْكَلِمَة تنْسب إِلَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنهُ، وَسَيَأْتِي ذكر الْمُنَاسبَة الَّتِي قيلت فِيهَا ص"٥٢٦".
٣ مُجَاهِد، تقدم ص"٢٥٢".
٤ هَذَا الْمَأْثُور من قَول الْمُجَاهِد مَعنا صَحِيح إِلَّا أَنِّي لم أجد فِيمَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من ذكره، قلت: والجهابذة جمع جهبذ، قَالَ الفيروزآبادي فِي الْقَامُوس ١/ ٣٥٢: الجهبذ بِالْكَسْرِ النقاد الْخَبِير.
٥ فِي س، ش "وَلَا من رِجَاله".
٦ الزُّيُوف: الْمَغْشُوش من الدَّرَاهِم، قَالَ ابْن مَنْظُور فِي لِسَان الْعَرَب إعداد وتصنيف يُوسُف خياط ونديم مرعشلي ٢/ ٧١ مَادَّة"زيف": "الزيف من وصف الدَّرَاهِم، يُقَال: زافت عَلَيْهِ دَرَاهِمه أَي صَارَت مَرْدُودَة لغش فِيهِ وَقد زيفت إِذا ردَّتْ".
٧ فِي ط، س، ش "عنْدكُمْ".
٨ نقادة من النَّقْد ضد الزيف، قَالَ ابْن مَنْظُور فِي لِسَان الْعَرَب الْمرجع السَّابِق ٣/ ٧٠١ مَادَّة "نقد": "النَّقْد خلاف النَّسِيئَة، والنقد تَمْيِيز الدِّرْهَم وإخرج الزيف مِنْهَا، أنْشد سِيبَوَيْهٍ:
تَنْفِي يداها الْحَصَى فِي كل هاجرة ... نفي الدَّنَانِير تنقاد الصياريف
وَنقل عَن اللَّيْث: ونقدت الدَّرَاهِم وانتقدتها إِذا أخرجت مِنْهَا الزيف" انْتهى بِتَصَرُّف.
٩ النفاية رَدِيء الشَّيْء وبقيته، قَالَ الفيروزآبادي فِي الْقَامُوس الْمُحِيط الطبعة الرَّابِعَة ٤/ ٣٩٧: "ونفاية الشَّيْء وَيضم ونفاته ونفيه ونفاؤه بفتحهن ونفاوته بِالضَّمِّ رديه وبقيته".

<<  <  ج: ص:  >  >>