للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفهرست ابْن النديم فِيمَا ألف فِي ذَلِك الْعَصْر يقفنا موقف الدهشة والاستغراب"١.

وَلست هُنَا بصدد الحَدِيث التفصيلي عَن منجزات هَذَا الْعَصْر العلمية، فَلَيْسَ هَذَا بَابه، إِلَّا أَنِّي أود الْإِشَارَة إِلَى أَن المريسي لم يكن مِمَّن يألف هَذَا الْوسط العلمي الزَّاهِر، فَلَقَد كَانَ يعِيش فِي جو آخر يألفه هُوَ وَأَضْرَابه من الْجَهْمِية الأشقياء، فوهب حَيَاته لعلم الْكَلَام حَتَّى أتقنه وبرع فِيهِ، وسلك مناهجه فِي الْحجَّة وَالِاسْتِدْلَال، مؤثرًا ذَلِك عَليّ النهج القرآني والمسلك النَّبَوِيّ فِي الْحجَّة وَالْبَيَان فضل وأضل، وَكَانَ خليق بِهِ إِن لم يرق إِلَى مَرَّات الْعلمَاء الأفذاذ مِمَّن ذكرنَا، أَن يَأْتِي على غير علم الْكَلَام والفلسفة، فيبدع فِي علم من عُلُوم الْعَرَبيَّة والآداب، أَو التَّارِيخ أَو غَيرهَا من الْعُلُوم، على أَنه إِن لم يكن أغفل جَانب الْفِقْه فتعلمه إِلَّا أَنه أوغل فِي اعتزاله وجهميته.

وَلَعَلَّ من أبرز السلبيات فِي مجَال الْحَيَاة العليمة فِي هَذَا الْعَصْر هُوَ اتساع دَائِرَة التَّرْجَمَة، حَيْثُ عرضت الْكتب اليوناينة والفارسية وَغَيرهَا، اخْتَلَط الغث بالسمين وَحصل بذلك أَنْوَاع من الْفساد وَالِاضْطِرَاب، وَفِي ذَلِك يَقُول شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية:

"ثمَّ إِنَّه لما عربت الْكتب اليونانية فِي حُدُود الْمِائَة الثَّانِيَة وَقبل ذَلِك وَبعد ذَلِك، وَأَخذهَا أهل الْكَلَام وتصرفوا فِيهَا من أَنْوَاع الْبَاطِل فِي الْأُمُور الإلهية مَا ضل بِهِ كثير مِنْهُم.... وَصَارَ النَّاس فِيهَا أشتاتًا: قوم


١ ضحي الْإِسْلَام "٢/ ٣٦٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>