فِي أوج قوته وَفِي فَتْرَة ظَهرت آثَار النشاط العلمي، ماثلة للعيان فِي مُخْتَلف الْعُلُوم الدِّينِيَّة مِنْهَا والدنيوية، كَمَا ظهر للْعُلَمَاء دور بارز فِي التَّعْلِيم والتدوين عَاشَ الْمُسلمُونَ آثاره حَتَّى عصرنا هَذَا، وتزاحم الطلاب على أَبْوَاب الْعلم وَالْعُلَمَاء ينهلون من هَذَا الْمعِين الثر فأفادوا من ذَلِك غَايَة الإفادة.
إِلَّا أَن المريسي كَانَ صفر الْيَدَيْنِ من صُحْبَة هَؤُلَاءِ، إِذْ لم يكن بِالَّذِي يألفهم ويعيش وَسطهمْ ويتأدب بأدبهم ويتعلم علمهمْ، فَلَقَد جعل غَايَته الإبداع فِي الابتداع فَكَانَ رَأْسا فِي المرجئة، وَإِلَيْهِ تنْسب الطَّائِفَة المريسية مِنْهُم وَصرف اهتمامه إِلَى علم الْكَلَام حَتَّى أتقنه، وجرد القَوْل بِخلق الْقُرْآن ودعا إِلَيْهِ، وجاهد فِي سَبِيل بدعته جِهَاد المستميت.
وَلَئِن حظي بِالسَّمَاعِ والتعلم على أَيدي طَائِفَة من الْعلمَاء إِلَّا أَنه كَانَ على قدر من الشغب والمناظرة وَفَسَاد الِاعْتِقَاد الَّذِي أفسد بِهِ على نَفسه فَسَاءَتْ صُحْبَة الْعلمَاء لَهُ، فقد أخرج الْخَطِيب بِسَنَدِهِ إِلَى أَحْمد بن سلمَان حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد، قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول "كُنَّا نحضر مجْلِس أبي يُوسُف، فَكَانَ بشر المريسي يَجِيء فيحضر فِي آخر النَّاس فيشغب، فَيَقُول أيش تَقول وأيش قلت يَا أَبَا يُوسُف؟ فَلَا يزَال يَصِيح ويضج، فَكنت أسمع أَبَا يُوسُف يَقُول: اصعدوا بِهِ إِلَيّ، قَالَ أبي: وَكنت فِي الْقرب مِنْهُ، فَجعل يناظر فِي مَسْأَلَة فخفي بعض قَوْله، فَقلت للَّذي كَانَ أقرب مني: أيش قَالَ لَهُ؟ قَالَ: قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُف: لَا تَنْتَهِي حَتَّى تصعد خَشَبَة"١ يَعْنِي تصلب.
١ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد فِي السِّتَّة "ص٣٢-٢٣"، تَارِيخ بَغْدَاد "٧/ ٦٣".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute