للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ فَسَّرْنَا هَذَا لِهَذَا الْمُعْجَبِ١ بِجَهَالَتِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ٢ لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ، وَلَا جِسْمٌ، وَلَا يَتَحَوَّلُ صُورَةً أَبَدًا، لَهُ فَمٌ وَلِسَانٌ٣ ينْطق بِهِ ويشفع. فقد عَقِلَ ذَلِكَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا كَانَ الْمَعْقُولُ٤ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ ثَوَابٌ يُصَوِّرُهُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِ٥ الْمُؤْمِنِينَ، جَزَاءً لَهُمْ عَن الْقُرْآن الَّذِي قرأوه. وَاتَّبَعُوا مَا فِيهِ، لِيُبَشِّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَنَفْسُ الْقُرْآنِ كَلَامٌ غَيْرُ مجسم فِي كل أَحْوَاله، إِنَّمَا يحسن بِهِ إِذا قرئَ. فَإِذا زَالَت عَنهُ الْقِرَاءَة لم يُوقف لَهُ على جسم وَلَا صُورَةٍ، إِلَّا أَنْ يُرْسَمَ بِكِتَابٍ. هَذَا مَعْقُولٌ٦ لَا يَجْهَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَهُولٍ. قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ، وَالْعُلَمَاءُ بِمُغَالَطَتِكُمْ٧ عَالِمُونَ وَلِضَلَالَتِكُمْ مُبْطِلُونَ٨. وَيَكْفِي الْعَاقِلَ٩ أَقَلُّ مِمَّا بَينا وشرحنا عَن مذاهبكم غَيْرَ أَنَّ فِي تَكْرِيرِ الْبَيَانِ شِفَاء لم فِي الصُّدُور.


١ فِي س "وَالْعجب" ويتضح الْمَعْنى بِمَا أثبتنا.
٢ لفظ الْجَلالَة لَيْسَ فِي ط، س، ش.
٣ فِي ط، س، ش "لَهُ لِسَان وفم".
٤ فِي س "الْمَفْعُول" وَهُوَ بعيد.
٥ فِي ط، ش "فِي عين الْمُؤمنِينَ" ويستقيم السِّيَاق بِمَا فِي الأَصْل.
قلت: وَيُؤَيّد مَا ذكره الدَّارمِيّ هُنَا مَا أخرجه أَحْمد وَغَيره من حَدِيث بُرَيْدَة مَرْفُوعا: "يَجِيء الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة كَالرّجلِ الشاحب فَيَقُول: أَنا الَّذِي أَسهرت ليلك وَأَظْمَأت نهارك". انْظُر تَخْرِيجه ص"٥٠١".
٦ فِي س "هَذَا مفعول" وَالصَّوَاب مَا فِي الأَصْل.
٧ فِي س "لمغالطتكم".
٨ فِي ط، س، قَالَ بعد هَذَا: "حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ وَكِيعًا يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ وَكَتَبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ أَن ابْن الْمُبَارك لَا يَعُدُّ الْجَهْمِيَّةَ فِي عِدَادِ الْمُسْلِمِينَ". وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، مَنْ شَكَّ فِيهِ، أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر".
قلت: ورد هَذَا الْكَلَام فِي الأَصْل فِي مَكَان مُتَأَخّر عَن هَذَا الْموضع، انْظُر ص"٥٨٩" وَلَعَلَّه الْمُنَاسب إِذْ إِن فِي النّسخ الْأُخْرَى تَقْدِيمًا وتأخيرًا.
٩ هَذَا الْكَلَام وَمَا بعده إِلَى قَوْله: "سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مَنْ شَكَّ فِيهِ أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِر" ذكر مُتَقَدما وَسِيَاق الأَصْل أوضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>