للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعَالَى١، وَالْكَلَامُ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَا يشبه الصِّفَات: من الْوَجْه


١ قلت: لفظ الْأَعْضَاء والأبعاض، والأجزاء والجوارح والأركان والأدوات لم يرد ذكرهَا فِي صِفَات الله تَعَالَى لَا نفيا وَلَا إِثْبَاتًا، وَهِي أَلْفَاظ مجملة تحْتَمل حَقًا وباطلًا، فَمن أطلقها نفيا وإثباتًا سُئِلَ عَمَّا أَرَادَ؛ فَإِن أَرَادَ بهَا معنى بَاطِلا رُدَّ، وَإِن أَرَادَ بهَا معنى صَحِيحا قبل الْمَعْنى ورد اللَّفْظ؛ لِأَنَّهُ لم يرد، وَأمر أَن يعتصم بِأَلْفَاظ الْكتاب وَالسّنة. قَالَ شَارِح الطحاوية: "وَأما لفظ الْأَركان والأعضاء والأدوات فيستدل بهَا على نفي بعض الصِّفَات الثَّابِتَة بالأدلة القطعية، كَالْيَدِ وَالْوَجْه.
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي "الْفِقْه الْأَكْبَر": لَهُ يَد وَوجه وَنَفس، كَمَا ذكر تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْيَد وَالْوَجْه وَالنَّفس، فَهُوَ لَهُ صفة بِلَا كَيفَ، وَلَا يُقَال: إِن يَده قدرته وَنعمته؛ لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة، انْتهى. وَهَذَا الَّذِي قَالَه الإِمَام رَضِي الله عَنهُ ثَابت بالأدلة القاطعة. ثمَّ أورد الْأَدِلَّة إِلَى أَن قَالَ..: وَلَكِن لَا يُقَال لهَذِهِ الصِّفَات أَنَّهَا أَعْضَاء أَو جوارح أَو أدوات أَو أَرْكَان؛ لِأَن الرُّكْن جُزْء الْمَاهِيّة، وَالله تَعَالَى هُوَ الْأَحَد الصَّمد لَا يتَجَزَّأ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والأعضاء فِيهَا معنى التَّفْرِيق والتعضية، تَعَالَى الله عَن ذَلِك، وَمن هَذَا الْمَعْنى قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الْحجر: ٩١] .
والجوارح فِيهَا معنى الِاكْتِسَاب وَالِانْتِفَاع، وَكَذَلِكَ الأدوات هِيَ الْآلَات الَّتِي ينْتَفع بهَا فِي جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة، وكل هَذِه الْمعَانِي منتفية عَن الله تَعَالَى، وَلِهَذَا لم يرد ذكرهَا فِي صِفَات الله تَعَالَى. فالألفاظ الشَّرْعِيَّة صَحِيحَة الْمعَانِي سَالِمَة من الِاحْتِمَالَات الْفَاسِدَة، فَكَذَلِك يجب أَن لَا يعدل عَن الْأَلْفَاظ الشَّرْعِيَّة نفيا وَلَا إِثْبَاتًا؛ لِئَلَّا يثبت معنى فَاسد، أَو يَنْفِي معنى صَحِيح. وكل هَذِه الْأَلْفَاظ المجملة عرضه للمحق والمبطل".
انْظُر: شرح الطحاوية بتخريج الألباني ط. الْخَامِسَة ص"٢٤٠-٢٤٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>