المطلب الخامس: انتقال صاحب الشبق إلى الإطعام في الكفارة, وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
من عجز عن صيام شهرين, متتابعين في كفارة الجماع؛ لفرط شهوته, هل يباح له الانتقال إلى الإطعام؟
المسألة الثانية: حكم انتقال صاحب الشبق إلى الإطعام في الكفارة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة, على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يباح الانتقال للإطعام, في كفارة الجماع في نهار رمضان, لمن كان به شبق, وهذا ما ذهب إليه الحنفية (١) , والمالكية (٢) , ووجه عند الشافعية (٣) , ومذهب الحنابلة (٤).
دليل القول الأول:
حديث سلمة بن صخر -رضي الله عنه- قال: كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة، إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت امشوا معي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال: (أنت بذاك يا سلمة؟ )، قلت: أنا بذاك يا رسول الله -مرتين- وأنا صابر لأمر الله، فاحكم في ما أراك الله، قال: (حرر رقبة)، قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: (فصم شهرين متتابعين)، قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال: (فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا)، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين (٥) ما لنا طعام، قال: (فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر, وكل أنت وعيالك بقيتها) (٦).
(١) ينظر: الأصل, للشيباني ٢/ ٢٠٣, والبناية, للعيني ٤/ ٥٩, والبحر الرائق, لابن نجيم المصري ٢/ ٢٩٨.
(٢) ينظر: شرح الرسالة, للقاضي عبدالوهاب ١/ ٢٨٨, والكافي, لابن عبدالبر ١/ ٣٤١, وشرح مختصر خليل, للخرشي ٢/ ٢٥٤ (كفارة الجماع في نهار رمضان, هي في الأصل على التخيير عند المالكية لا على الترتيب).
(٣) ينظر: نهاية المطلب, للجويني ١٤/ ٥٧٣, والوسيط, للغزالي ٦/ ٦٤, وفتح العزيز, للرافعي ٩/ ٣٣١.
(٤) ينظر: الكافي, لابن قدامة ٣/ ١٧٤, والإنصاف, للمرداوي ٣/ ٢٨٧, وحاشية الخلوتي ٢/ ٢١٠.
(٥) أي: جائعين هو وزوجته, يُقال: رجل وحْش، إذا كان جائعا لا طعام له. ينظر: النهاية, لابن الأثير ٥/ ١٦١.
(٦) أخرجه أبو داود في سننه, كتاب: الطلاق, باب: في الظهار (٢٢١٣) ٢/ ٢٦٥, والترمذي في سننه, أبواب: تفسير القرآن, باب: ومن سورة المجادلة (٣٢٩٩) ٥/ ٤٠٥, وقال الألباني في إرواء الغليل: الحديث في الجملة بطرقه وشاهده صحيح ٧/ ١٧٩.
