تقدم بطلان وجود القطب وأنه من عقيدة الجهال وأريد هنا أن أذكر ما نسبه صاحب جوهر المعاني إلى شيخه التجاني في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢) } ليطلع القراء ويعلموا إلى أي حد بلغ الضلال ببعض الناس قال صاحب الجوهر (ج ٢ ص ١٨١) ما نصه: وسألته عن معنى قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، فأجاب بما نصه قال الأمانة هي القيام بحقوق مرتبة الحق في كلية معانيها خلقية وإلاهية فلم تطق حمل هذه الأمانة السماوات والأرض، فأشفقن منها، وحملها الإنسان الكامل الذي يحفظ الله به نظام الوجود وبه يرحم جميع الوجود وبه صلاح جميع الوجود وهو حياة جميع الوجود، وبه قيام جميع الوجود، ولو زال عن الوجود طرفة عين واحد لصار الوجود كله عدما في أسرع من طرفة عين، وهو المعبر عنه بلسان العامة (بقطب الأقطاب والغوث الجامع) ومعنى قوله ظلوما جهولا يعني ظلوما بتخطيه حدود البشرية وحدود الخلقية وخروجه إلى القيام بحقوق مرتبة الحق حيث لا أين ولا كيف ولا صورة ولا حد، فإن هذا لا قدرة لأحد عليه إلا الله وحده فهذا معنى ظُلْمِه لكونه تخطى مرتبة البشرية من الخلقية وهو لا يقدر لأن الأمر الذي تخطى إليه لا غاية له ولا نهاية، لكون الإحاطة مستحيلة فيه قال سبحانه:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} فهذا معنى الجهل والظلم الذي نسب إليه هو نفي الإحاطة بكنه جلاله، وذلك غاية المعرفة بالله فإن معرفته من وراء خطوط الدوائر كلها يعني دوائر الصديقية. اهـ
فانظر كيف خلع هؤلاء الضالون على الشخص الخيالي المسمى بالقطب صفة الحي القيوم، الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهن من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ولولا حلمه سبحانه لخسفت الأرض تحت من يقول هذا القول ويعتقد هذه العقيدة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى.
والآن دونك التفسير الصحيح للآية: ذكر الإمامان ابن جرير وابن كثير في تفسير هذه الآية أقوالا وأحاديث مروية بالأسانيد إلى الصحابة والتابعين، بعضها مرفوعا، وبعضها موقوف، وقد لخص الجمل في حاشيته على الجلالين الموقوف منها فأحببت أن أنقله مختصرا كراهية التطويل. ونص تفسير الجلالين:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الصلوات وغيرها مما في فعلها من الثواب وتركها من العقاب {عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} بأن خلق فيها فهما ونطقا، {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ} خِفن {مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} آدم بعد