إلى العذاب فهذا من جملة الرحمة التي تنال الكفار. اهـ
المسالة الثالثة: شطحات الزنادقة الذين يسمون أنفسهم أولياء، وفي جوهر المعاني (ج ٢ ص ٥٩) ما نصه، وذلك في الجواب عن قول أبي يزيد البسطامي: خضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله، فاعلم أن في الشطحات التي صدرت من أكابر العافين ما يوهم أو يقتضي أن لهم شفوفا وعلوا على المراتب النبيين والمرسلين، ومثل قول أبي يزيد البسطامي: خضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله، ومثل قول الشيخ عبد القادر الجيلي: معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا ما لم تؤتوه، ومثل قول ابن الفارض:
ودونك بحرا خضته وقف الألي ... بساحله صونا لموْضع حرمتي
وأني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
وفي المهدي حزبي الأنبياء وفي عنا ... صر لوحي المحفوظ والفتح سورتي
وقوله أيضا:
فحي على جمعي القديم الذي به ... وجدت كهول الحي أطفال صبوتي
ومن فضل ما أسأرت شرب معاصري ... ومن كان قبلي فالفضائل فضلتي
وكقوله في الكافية:
كل من قي حماك يهواك لكن ... أنا وحدي بكل من في حماك
وكقول بعض العارفين: نهاية أقدام النبيين بداية أقدام الأولياء.
والجواب عن هذه الشطحات أن للعارف وقتا يطرأ عليه الفناء والاستغراق حتى يخرج بذلك عن دائرة حسه وشهوده ويخرج عن جميع مداركه ووجوده، لكن تارة يكون في الذات الحق سبحانه وتعالى فيتدلى له من قدوس اللاهوت من بعض أسراره فيض يقتضي منه أن يشهد ذاته عين ذات الحق لمحقه فيها واستهلاكه فيها ويصرح في هذا الميدان بقوله: سبحاني لا إله إلا أنا وحدي الخ من التسبيحات، كقوله: جلت عظمتي وتقدس كبريائي، وهو في ذلك معذور لأن العقل الذي يميز به الشواهد والعوائد ويعطيه تفصيل المراتب كل بما يستحقه من الصفات غاب عنه وانمحق وتلاشى واضمحل، وعند فقد هذا العقل وذهابه وفيض ذلك السر القدسي عليه تكلم بما تكلم به، فالكلام الذي وقع فيه خلقه الحق فيه نيابة عنه فهو يتكلم بلسان الحق لا بلسانه، ومعربا عن ذات الحق لا عن ذاته، ومن هذا الميدان قول أبي يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني، وقل الحلاج: وأنا الحق، وما في الجبة إلا الله وكقوله بعضهم: فالأرض أرضي