للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بساط البحث فنقول كيف وقعت هذه المحادثة بين أبي زيد وبين الله تعالى، وعهدنا بالوحي قد انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومقتضى هذه الحكاية أن أبا يزيد كان الوحي ينزل عليه ثم يقال بأي وجه من الوجوه اطلع أبو زيد على سعة رحمة الله التي لا يعرفها رسول الله ولا أصحابه والتابعون ولا من اتبعهم بإحسان، أطلع عليها بواسطة الوحيين أم بطريق أخر ولا يمكن أن يكون اطلاعه على ذلك بطريقة الوحيين أبدا، إذا كان الأمر كذلك لما اختصه هو بهذا الإطلاع فلا بد أن يكون بوحي أُوحي إليه ليس في القرآن، ولا في السنة، وهذه فرية بلا مرية بإجماع المسلمين، ثم يقال ثالثا كيف يتجرأ رجل يخاف الله أن يحاج ربه بهذه المحاجة المغمورة بالوقاحة، ثم يدعي أنه حاجَّ ربه، أي غلبت حُجته حُجة الله تعالى، هذه غاية معرفة الله والوصول إلى حضرته بزعمكم، فماذا تركتم للجهال.

المسألة السادسة: أمور نذكرها بالمعنى مجملة تبتدئ من (ص ١٣٤ من ج١) من الجواهر، الأمر الأول: ادعاؤهم أن الكفار محبوبون عند الله تعالى محبة عامة ولم يخرجوا عن محبته سبحانه وتعالى، واستدلوا لذلك فيما نقلوه عن شيخهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر سُهيْل بن عمرو قيل له انزع ثنيتي سيهيل حتى لا يقوم خطيبا عليك بعدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أُمثِّل به فيُمثِّل الله بي وإن كنت نبيا، فعُلم أنه ما خرج عن محبة الحق ولو كان كافرا إذ لو لم يكن محبوبا عنده ما صحت عُقوبة نبيه لأجله.

قال محمد تقي الدين، وهذا الاستدلال لا يخفى فساده وفي عبارته تهور وطيش لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر والصغائر التي توجب العقاب فعقاب الله لنبيه الذي أطلقوه زور وباطل، لأن الله لم يعاقب نبيه ولن يعاقبه أبدا، ومعنى هذا الخبر أن غير النبي المعصوم إذا مَثَّل بقتيل أو بشخص حي يُعاقبه الله تعالى، وهذا كقوله تعالى في سورة الزُّمر: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) } فإحباط العمل مشروط بشيء مستحيل وجوده وإذا استحال وجود الشرط استحال وجود المشروط.

الأمر الثاني: حاصله أن اليهود والمشركين يحبون الله تعالى إلا أن اليهود يحبونه مع معرفتهم بألوهيته والمشركين غلطوا في نسبة الألوهية إلى غيره تعالى، لأنه تجلى لهم في تلك الالباس لكمال ألوهيته فأحبوه وعبدوه من حيث لا يشعرون، فلولا أنه تحلى لهم في تلك الالباس بذلك التجلي إلى محبة ألوهيته ما كانوا يلتفتون إلى تلك الأوثان ولا أن

<<  <   >  >>