للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاجة لي أن أشاهده بنفسي، وكان السفر في ذلك الزمن على الدواب فغاب نحو شهرين ثم رجع إلي، قال: فقلت ما وراءك يا عصام؟ فقال يا سيدي راقبته ليالي عديدة فلم أشاهد شيئا، فقلت له كنت أعلم هذا ولا أَشُك فيه حين حدثتني بهذه القصة المُختلقة، ولكني أحببت أن تشاهد الأمر بنفسك حتى لا تغتر بما يشيعه الجهال، وأنت فقيه يقتدي الناس بك، فإذا كنت تعتقد مثل هذه الضلالات فماذا نقول في الجهال؟ والحكايات في هذا كثيرة، وحكاية صاحب الجواهر في شان القطب، قطب الجهال كما سماه شيخ الإسلام أحمد بن تيميَّة رحمه الله هي من جنس هذه الحكايات.

قال مؤلف جواهر المعاني، (ج١ ص ٢١٥ س ٩) فيما يتعلق بالقطب أيضا ناقلا عن شيخه التجاني في الكلام على الوحي وأقسامه ما نصه:

ثم لتعلم أن من تجلى الله له بالسر المصون والغيب المكنون، عصم من المعاصي بكل وجه وبكل اعتبار فلا تتأتى منه المعصية التي هي مخالفة أمر الله تعالى صريحا أو ضمنا، وليس له فيها إلا العصمة من مخالفة أمر الله تعالى، ولذا ثبتت العصمة للنبيين وفي ضمنهم الأقطاب، ولم يصرح بهم صلى الله عليه وسلم في قوله حيث قال لا عصمة إلا لنبي فقد ستر الأقطاب هناك، من كونهم لا تعرف مراتبهم، وما أخبر الله الخلق بها، أعني بمرتبة الأقطاب، ولا وصل العلم إليهم بها فهي مكتومة لذلك لم يصرح بعصمة أهلها صلى الله عليه وسلم، لكن السر المصون مانع لمن ذاقه أن يعصي الله حتى طرفة عين، وأما من عداهم من الصديقين الذين نزلوا عن رتبتهم فلا عصمة عندهم، وتجري عليهم الأقدار كما تجري على غيرهم، كما قال الجنيد حيث قيل له: أيزني العارف فأطرق ساعة ثم قال: وكان أمر الله قدرا مقدورا. اهـ

قال محمد تقي الدين: هذه طامة أخرى وهي ادعاء العصمة للأشخاص المتخيلين المتسمين بالأقطاب الذين شاركوا الأنبياء في العصمة، وكتم النبي صلى الله عليه وسلم هذا العلم ولم يبح به لأحد حتى لأبي بكر الذي هو أفضل الصديقين، فلم يكفهم ادعاء العصمة للأقطاب المزعومين، حتى أضافوا إليه كتمان النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وليث شعري كيف علمه التجاني، أمن طريق النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفه بالكتمان، أم من الله بلا واسطة، وظاهر قوله فيما زعموا أن من ذاق السر المصون يستحيل أن تصدر منه معصية، أنه أدرك ذلك من غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم مما يسمونه بالذوق وقد قيل لأحمد بن حنبل عن بعض المتصوفة أنه إذا سئل عن شيء لا دليل عليه من الشرع زعم أنه أدركه بالدوق فقال رحمه الله: من أحالك على غائب

<<  <   >  >>