أبو عمر أجمع أهل العلم من الأمصار: أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ وضلال ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم. ثم روى أبو عمر بسنده إلى أبى خويز منداد البصري المالكي قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف قال مالك لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ الإجارة في ذلك قال وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزايم الجن وما أشبه ذلك وقال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء قال أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل كلام فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادته في الإسلام أبدا ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها. انتهى بلفظه.
الرابعة: قول القشيري: "من شرط الولي أن يكون محفوظا كما من شرط النبي أن يكون معصوما "أقول لقد أخطأ القشيري خطأ فاحشا في هذا ولا فرق في المعنى بين قولنا محفوظ وقولنا معصوم فقد أراد أن يثبت العصمة لمن يسميهم أولياء فأبدل لفظا بلفظ والعبرة ليست بالألفاظ وإنما هي بالمعاني ولو قال أن المؤمن في وقت ارتكابه للمعصية ينقص إيمانه وتنقص ولايته لله، لأن ولاية العبد لله تكون على قدر إيمانه وتقواه لأصاب، فماذا يقول في الصحابة الذين ارتكبوا كبائر كماعز والغامدية والصحابي الذي كان يسمى حمارا وكان يُضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد شرب الخمر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد عليه فسبه أحد الحاضرين فنهاه النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ذلك وشهد له بأنه يحب الله ورسوله ألم يكن هؤلاء أولياء الله حين ارتكبوا تلك المعاصي ولم يصروا عليها وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (١٣٦) } سورة آل عمران آية ١٣٤، ١٣٥، ١٣٦، وخلاصة القول أن كل مؤمن ولي الله وكل كافر عدو لله ومن لم يكن ولي الله فهو عدو الله قال الله تعالى في أول سورة التغابن {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} وقال تعالى في أول سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وقال تعالى في سورة البقرة: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ