ولما شرع يصلي معي كنت أقرأ في سورة آلم السجدة ففزعت وخفت خوفا شديدا فخرجت منها إلى سورة أخرى أظنها سورة سبأ، ولم أستطع قراءة القران مع شدة حفظي له بسبب الرعب الذي أصابني، فتركت السور الطوال وأخذت أقرأ بالسور القصار التي لا تحتاج قراءتها إلى رباطة جأش واستحضار فكر، فصلى معي ست ركعات، ولم أرد أن أكلِّمه، لأن كتب
الطريقة توصي المريد أن لا يشتغل بشيء مما يعرض له في سلوكه حتى يصل إلى الله، وتنكشف له الحجب فيشاهد العرش والفرش، ولا يبقى شيء من المغيبات خافيا عليه، ولما طال عليَّ زمن الاضطراب دعوت الله في سجود الركعة السادسة فقلت: يا رب إن كان في كلام هذا الشخص خير فاجعله هو يكلمني، وان لم في كلامه خير فاصرفه عني، فلما سلَّمت من التشهد بعد الركعة السادسة سلَّم هو أيضا، ولم أسمع له صوتا ولكني رأيته التفت عند السلام إلى جهة اليمين كما يفعل المصلي المنفرد على مذهب المالكية، فإنه يسلم مرة واحدة عن يمينه، السلام عليكم دون أن يضيف إليها رحمة الله وبركاته، وإن كان مؤتما بإمام يسلم ثلاث تسليمات إن كان بيساره مصل تسليمة عن يمينه وهي تسليمة التحليل، وتسليمة أمامه للإمام، وتسليمة ثالثة عن شماله للمصلي الذي يجلس عن شماله وقد ثبت في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الحافظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلِّم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا هو الذي ينبغي لكل مصل أن يعتمد عليه سواء أكان إماما أو مأموما أو منفردا.
وبعد السلام انصرف ومشى على مهل حتى دخل في الغمام الأبيض الذي كان قائما في مكانه الذي كان ينتظره، وبعد دخوله في الغمام فورا أخذ الغمام يتقهقر إلى جهة الشرق حتى اختفى عن بصري وكان في قبيلتي (حميان) شيخ شنقيطي صالح ما رأيت مثله في الزهد والورع ومكارم الأخلاق وسأذكره فيما بعد، فسافرت إليه وحكيت له تلك الحادثة فقال لي: يمكن أن يكون ذلك شيطانا لو كان ملكا ما أصابك فزع ولا رعب، فظهر لي أن رأيه صواب.
وبعد ذلك بزمن طويل أخذت أدرس علم الحديث، فرأيت في كتاب" صحيح البخاري " ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل وهو في غار حراء، فظهر لي أن رأي ذلك الشيخ رحمه الله غير صحيح وبقيت المشكلة بلا حل إلى الآن وكنت حينئذ