للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد واحد. حتى بلغ في القرن الثاني عشر إلى هوة سحيقة، فأخذ يفقد ثغوره ويستولي عليها أعداؤه، أما الفتن الداخلية وكثرة القتل والنهب وسبي الذرية والنساء وإحراق القرى في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر وهو الوقت الذي استقر فيه الشيخ أحمد التجاني في فاس وبنى زاويته، وانتشرت طريقته، فإنه دخل فاسا بنية الاستيطان والاستقرار، سنة ألف ومائتين وثلاث عشرة (١٢١٣ هـ) كما في جواهر

المعاني الجزء الأول صفحة ٣٧، والمدة التي أقامها الشيخ التجاني في فاس هي من ألف ومائتين وثلاث عشرة (١٢١٣) إلى ألف ومائتين وثلاثين (١٢٣٠ هـ) إذ فيها توفي ودفن في وسط زاويته، وإذا أردت أن تعرف مقدار الشقاء الديني والدنيوي الذي كان مخيما على المغرب الأقصى وسائر المغارب، فاقرأ كتب التاريخ ومن أيسرها أسهلها كتاب "الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى" للناصري، ولولا كراهية الإطناب وضيق الوقت لنقلت هنا ما تقشعر منه الجلود، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك قله، فلذلك أنقل لك من الكتاب المذكور، شيئا قليلا، على لسان ملك المغرب في ذلك الزمان، السلطان أبى الربيع سليمان بن محمد العلوي، رحمه الله، وكان من أحسن ملوك الدولة المغربية دينا وعقلا وحكمة وحسن سياسة، ولكن اتسع الخرق، قال صاحب الاستقصاء في الجزء الثامن صفحة ١٦٤:

كان أمير المؤمنين المولى سليمان رحمه الله في هذه المدة قد سئم الحياة ومل العيش وأراد أن يترك أمر الناس لابن أخيه المولى عبد الرحمن بن هشام ويتخلى هو لعبادة ربه إلى أن يأتيه اليقين، قال ذلك غير مرة، وتعددت فيه رسائله ومكاتيبه فمما كتب في ذلك هذه الوصية التي يقول فيها:

الحمد لله، لما رأيت ما وقع من الإلحاد في الدين واستيلاء الفسقة والجهلة على أمر المسلمين وقال عمر: إن تابعناهم تابعناهُم على ما لا نرضى وإلا وقع الخلاف، وأولئك عدول، وهؤلاء فساق، وقال عمر: فبايعنا أبا بكر فكان والله خير، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر: يأبى الله ويدفع المسلمون، ورشحه بتقديمه للصلاة إذ هي عماد الدين.

وقال أبو بكر للمسلمين: بايعوا عمر وأخذ له البيعة في حياته، فلزمت وصحت بعد موته وقال عمر هؤلاء الستة أفضل المسلمين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعم العبد صهيب، وقال أبو عبيدة أمين هذه الأمة، وقال ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء

<<  <   >  >>