للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترى الأطفال الصغار يتعلمون الرسم المصحفي بطرق التهجي التعليمية في دور القرآن في وقتنا الحاضر، وهي كثيرة ومتنوعة لكنها ترجع إلى الرسم المصحفي (٣٨)، وكذلك ترى كبار السن ومن تقدم بهم العمر وهم يتعلمون القرآن في مراحل متأخرة من أعمارهم يقرأون القرآن من المصاحف ويرتلونه بلا كلفة ولا مشقة.

٢ - وهل من أجل جهل الجاهل يغير رسم المصحف ويُرد من أجله إجماع الأمة سلفًا وخلفًا، أم أن الجاهل يُعَلَمُ ويتعلم؟!.

٣ - ولو سلَّمنا لهم جدلًا وتنزُّلًا إلى ما ذهبوا إليه، فإن التعلم في الأمة يضمحل ويذهب.

ولا يخفى على أحد أن مرسوم القواعد الإملائية عرضة للتغيير من زمان لآخر، بل ومن مكان لآخر- كذلك-. فلو أخضع الرسم الهجائي للقرآن لتلك القواعد الإملائية لأصبح القرآن عرضة للتحريف والتغير والتبديل.

٤ - إن الرسم المصحفي لا يُوقع الناس في الحيرة والالتباس أبدًا؛ لأنه ثابت لا يتغير ولا يؤثر في تغيره زمان ولا مكان، والمصاحف التي بين أيدي الناس الآن مطبوعة وظاهرة وجلية للناظرين، وهي الآن أمام أعينهم على أوضح صورة، وقد كُتِبَتْ مشكلة ومنقوطة لا التباس فيها؛ وقد وضعت فيها علامات واضحة المعالم تدل على الحروف الزائدة، أو الملحقة بدلًا عن الحروف المحذوفة، فالوقوع في الاضطراب والالتباس والحيرة أمر غير واقع ولا متوقع البتة لمن تعلم القرآن، ويكفينا في ذلك قول ربنا: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: ١٧).

قال ابن كثير- (ت: ٧٧٤ هـ) - رحمه الله-: أَيْ: سَهَّلْنَا لَفْظَهُ، وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ، لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ. (٣٩)

٥ - وبإجابة أهل هذا الرأي يُفتح على الأمة بابُ شر وفتنة لا يعلم قدرها إلا منزل الكتاب وهازم الأحزاب، وأكبر شاهد على ذلك تلك الفتنة التي كادت أن تحدث في صدر الإسلام في اختلاف أوجه القراءة، فأخمدها الله بثالث الخلفاء الحنفاء - رضي الله عنهم أجمعين-، فقام لله ووقف موقف الجبال الراسيات ليرد الأمة لرشدها ويجمعها على كتاب ربها بـ" مصحف إمام".

٦ - وهذه الدعوات وأمثالها تفتح أمام أعين أعداء الملة بابًا يلجون منه لينالوا من القرآن طعنًا وتشكيكًا، فإذا كان هناك رسم وهجاء عثماني وآخر إملائي يتمايز أحدهما عن الآخر قالوا أيهما الصحيح الذي أُنْزِلَ من السماء؟!، ولا شك أن في هذا من المفاسد ما لا يخفى.

٧ - ومما يؤكد ما سبق ذكره من جواب أهل هذا الرأي ما حدث منذ سنوات من


(٣٨) وهي كثيرة ومتنوعة، ومن أمثالها: برامج: نور البيان، ورياض القرآن، وغيرها.
(٣٩) تفسير ابن كثير: (٧/ ٤٧٨). تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: ٧٧٤ هـ) المحقق: سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط ٢، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، عدد الأجزاء: ٨.

<<  <   >  >>