للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرعية، ولقد تناول موضوع بحثه بتحليله، فقام بتعريف الرسم العثماني بقسميه التوقيفي والاصطلاحي، ثم عرض آراء العلماء في الرسم العثماني، ثم بين حجج أصحاب كل رأي منها، ثم ردَّ وأجاب بالحجة والبرهان على تلك الآراء، ثم ذكر القول الراجح منها، ثم ختم البحث معضدًا ما ذهب إليه من ترجيح القول بتوقيف الرسم العثماني بقرارات وفتاوى أكبر المجامع العلمية في بلاد الإسلام.

الفصل الأول

الرسم العثماني بين التوقيف والاصطلاح

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الرسم العثماني توقيفي أم اصطلاحي؟ (٢)

وفيه ثلاثة مطالب:

[المطلب الأول: المقصود بعبارة الرسم العثماني "توقيفي"]

هو أنَّ الرسم العثماني كُتِبَ على سند قائم من الشرع، فلا يجوز مخالفته وتخطيه إلى غيره، فهو توقيفي: فلا يجوز ولا يصح عليه تغيير ولا تبديل، لأنه تنزيل من التنزل على هيئته المعهودة والمكتوبة في المصاحف كسائر سور القرآن وآياته المنزلة، سواء بسواء.

وقد مضى في عهوده الثلاثة وهو على هذه الكَتْبَة بهذا الرسم المصحفي ولم يحدُث فيه أي تغيير ولا أي تبديل. وقد أجمعت الأمة عليه وتلقته بالقبول.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر كُتَّاب الوحي بطريقة الرسم المصحفي للقرآن، وكانت كتابته بين يديه، ثم كان الجمع في عهد الصديق - رضي الله عنه - على هذا الرسم كذلك، ثم جَمَعَ عثمانُ - رضي الله عنه - عنه الأمةَ على الإمام واستنسَخ منه تلك الصحفَ التي بعث بها في الأمصار على نفس تلك الكَتْبة، وأقره جماهير الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، وهم يومئذ أكثر من (اثني عشر ألف صحابي)، ثم صار أمر الرسم كذلك في زمن التابعين وتابعي التابعين، فلم يخالِفه أحدٌ منهم ولم يُنقل أن أحدًا منهم أقدم على استبداله وتغييره أبدًا، بل ولم يُذكر أن أحدَا منهم فكر حتى في استبداله بأي برسم آخر من الرسوم بل بقي هذا الرسم محترمًا متبعًا كما كان عليه عمل الكَتْبة الأولى، فلا يقرب منه أحد بتغيير أو تبديل، ولا يُمَسُّ له جناب.

ومن هنا يتبين لنا أن الرسم الهجائي للقرآن كان معروفًا في عهود جمعه الثلاثة، كما أنه كان مضبوطًا منذ بداية تنزله وتدوينه علي عهد النبوة، وكان كتاب الوحي متمكنين من قواعده وأصوله، لأنه كتبوه بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهه وإقراره.

ولنا أن تتأمل فيما أخرجه ابن أشته في "المصاحف"، عن زيد بن ثابت: أنه كان يكره أن تكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) ليس لها سين.

وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب: أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر فكتب (بسم الله) ولم يكتب لها


(٢) لعلّ اختلاف هذه المسميات من باب اختلاف العبارات لا اختلاف الاعتبارات.

<<  <   >  >>