للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أراهم أن يكتبوا على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول .. فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرف بحرف) (٣٥)

[المطلب السابع: الرأي الثالث: إبقاء الرسم العثماني على ما هو عليه لينتفع به العلماء خاصة]

وهذا القول ينادي أصحابه بإبقاء الرسم العثماني على ما هو عليه لينتفع به العلماء خاصة مع جواز كتابته بالرسم الإملائي لعموم الأمة حسب ما تقتضيه قواعد الرسم الإملائي المتعارف عليها بين الناس في أي زمان، وقد حكى هذا القول صاحب البرهان، وعزاه للعز بن عبد السلام (ت: ٦٦٠ هـ) - كذلك-، ونص عبارة العز بن عبد السلام كما حكاها صاحب التبيان بقوله: "لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسم الأول باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال" (٣٦)، وعقب الزركشي على العز بن عبد السلام بقوله: ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء قد أحكمته العلماء لا يترك مراعاة للجهال، ولن تخلو من قائم بحجة". (٣٧)

والزركشي- رحمه الله- يكون بقوله ذاك-آنفًا- قاصدًا التوسط في الأمر،

بمعنى: أنه يريد الجمع بين الأمرين:

الأمر الأول: إبقاء الرسم العثماني الذي عليه الأمر الأول.

الأمر الثاني: جواز كتابته بالرسم الإملائي لينتفع به عموم الأمة.

وأهل هذا الرأي-عمومًا-: قصدهم بذلك حفظ القرآن الكريم من اللحن الذي قد يقع ممن يجهل الرسم العثماني ولا يحسن قراءته، وفي ذلك من درء المفاسد الكبرى التي يخشى وقوعها عند تلاوة القرآن ممن لا يحسن قراءة الرسم العثماني من عموم الأمة، وفي هذا إعمال للقاعدة الأصولية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

[المطلب الثامن: جواب أهل الرأي الثالث]

وجواب أهل الرأي الثالث إضافة لجواب أهل الرأي الثاني باختصار شديد يأتي فيما يلي:

١ - إن الواقع المشاهد يرد هذا الرأي جملة وتفصيلًا، فإنك ترى الأعجمي الذي لا يحسن العربية يتقن قراءة القرآن ويحفظه بطلاقة أفضل من كثير من أهل اللسان العربي، وترى صغار الولدان في الكتاتيب والمحاضر ودور تعليم القرآن يقرأون ويحفظون القرآن مما كتبوه بأيديهم على الألواح بالرسم المصحفي بمهارة وإتقان يفوق أقرانهم بل ومن فوقهم ممن تلقوا التعليم في المدارس النظامية التقليدية، بل


(٣٥) ينظر: الإبريز: (ص: ١١٣)، وسمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين: (ص: ١٨).
(٣٦) البرهان للزركشي: (١/ ٣٧٩).
(٣٧) البرهان للزركشي: ١ (/ ٣٧٩)، فتح الباري، لابن حجر العسقلاني: (١/ ٢٧٩). فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (ت: ٨٥٢ هـ)، الناشر: دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عدد الأجزاء: ١٣.

<<  <   >  >>