للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يُستدل ويُنتصر به لهذا الرأي أيضًا ما أورده أبو عمرو الداني وعزاه بإسناده إلى عامر الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ فقالوا "من أهل الحيرة، وقالوا لأهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من الأنبار. (٣٣)

وما رواه" الداني" يؤكد: أن دعوى "ابن خلدون": من قلة الكتابة وندرتها وعدم إجادتها واستحكامها في جيل الصحابة أمر غير مسلم البته، وذلك لأن عدد كتاب الوحي بلغ قربة أربعين كاتبًا، والكتابة قبل الإسلام كان لها رواج في مكة، ومكة تعد يومئذ مركزًا للتجارة يتلقى أهلُها التجارةَ الوافدة من الشام واليمن وغيرها من البلدان، والمدينة- كذلك - كثر الوفود إليها بعد ظهور الإسلام، وزادت حركة الوافدين إليها للتجارة وغيرها مما يلزم من شؤون السياسة والاقتصاد التي تحتاجها الدولة المسلمة، مما زاد من احتكاك أهلها بهم، فشاع فيم أمر الكتابة وذاع.

ومع ذلك كله فلا علاقة بين إحكام الخط وإتقانه وبين الإقرار بتوقيفيته.

ومع ذلك كله فإن قول ابن خلدون: حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة"، وفي هذا كفاية لرد زعم ابن خلدون

ومن أبرز ما قيل في أن الرسم المصحفي ليس توقيفيًا:

أن وجوب التزام رسم معين إنما يعرف بالنص، وليس في الكتاب العزيز، ولا في السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في القياسات الشرعية ما يحتم التزام الرسم العثماني، بل ظهر من أدلة السنة جواز كتابته بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجهًا معينًا، ولا نهى أحدًا عن كتابته بأي وجه، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، ومن ادعى أنه يجب على الأمة التزام رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه، وأنى له ذلك. (٣٤)

[المطلب السادس: جواب أهل الرأي الثاني]

وجواب أهل هذا الرأي قد سبق بيانه وذكره بالتفصيل مقرونًا بالحجج والبراهين والأدلة النقلية والعقلية، ثم ختم بإجماع جمهور الفقهاء، ثم بنقل أقوال من حكى الإجماع كذلك، إضافة لما سيأتي بيانه من فتاوى المعاصرين (المجامع الفقهية) وهو يشبه الإجماع في وقتنا الحاضر.

ومن أبرز ما يجاب عنه في جواب أهل الرأي الثاني إضافة لما سبق بيانه- كذلك-، جواب عبد العزيز الدباغ، حيث يقول: هو صادر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي أمر الكتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة، فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ثم يتابع ويقول- أيضًا-: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم


(٣٣) المقنع لأبي عمرو الداني: (ص: ٩).، المحكم في نقط المصاحف. لأبي عمرو الداني: (ص: ٢٥)، تحقيق: د. عزة حسن. الصف التصويري: دار الفكر - دمشق. التنفيذ الطباعي: المطبعة العلمية.
(٣٤) الانتصار للباقلاني ١/ ٣٧٥، وينظر: مناهل العرفان للزرقاني ١/ ٣١٢.

<<  <   >  >>