للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إنّها عقول قد (برمجت) على الإنكار.. تظن أنّ بيانها من لسانها.. وهي –لو علمت- ترى العالم بغير عينيها, وتستلذّ ما وافق أهواء غيرها!

ثانيا/ إنّ الغرب الذي يرضع المعترض من حليب فكره, لا يرى في المرأة النصرانيّة التي توارت خلف حجاب الأديرة, ومنعت نفسها من أطايب الحياة؛ طمعًا في حلم ساذج شنيع المعالم؛ وهو أن تكون يوم القيامة عروس المسيح (إلهها) و (خالقها!!) بزعمها (!!) (١) .. لم ير فيها مجرمة ولا خائنة لشهوات طبعها.. وإنّما هي عنده امرأة قد اختارت من اللباس وأمور المعاش ما وافق فكرها.. أمّا عندنا, وقد فتح الشرع لأبواب الملاذ كلّ باب, ما لم تقد إلى فساد, فقد رميت المرأة بنصال التشدّد والتكلّف..!!

فكيف يستقيم الحال, وتعتدل الصورة في عقل لا يستشنع الرهبنة القائمة على تعذيب النفس وجلدها بسياط الحرمان, ويستقبح مع ذلك تغطيةً للحمٍ, لا تمنع خيرًا, ولا تحرم من نعيم لا يستغنى عنه؟!

ثالثا/ لا شكّ أنّ عامة من يقول إنّ الحجاب هو نوع من التزمّت الصرف, يزعم –في الظاهر؛ حتّى لا يتّهم بالانحراف العقائدي- أنّ الإشكال ليس في الحشمة ولا في التديّن, وإنّما الاعتراض منصرف إلى المبالغة في التباعد عن مظان الفتنة, والتحرّز من مسالك الغواية.

ووجه الخطأ في هذا المقام هو أنّ المنكر على الحجاب باعتباره تزمّتًا, قد أهمل (مصدر) الحكم على الشيء بالاعتدال والتفريط؛ وهو النصّ الشرعي.. فالتزمّت هو فعل يتضمّن المبالغة في ترك المباحات.. والشرع وحده هو الذي يحدّد بصورة نهائية المباح من الممنوع.. ولمّا كان الأمر كذلك؛ وجب استنطاق نصوص الشرع للحكم على الحجاب على أنّه التزام بواجب, أم تكلّف وتزمت لم ينزل به الله سلطانًا!


(١) انظر مثلاً؛ Saint Alphonso Liguori, True Spouse of Jesus Christ or The Nun Sanctified by the Virtues of her State, Dublin: John Coyne, ١٨٣٥ وهو زواج (روحي) له مهره الذي تدفعه الراهبة!!

<<  <   >  >>