للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبالنظر في نصوص الوحي؛ وجدنا أنّ الحجاب فريضة شرعيّة محكمة لا يردّها مسلم البتّة, ولا يرتاب في ذلك من فقه من دين الله شيئًا.. وعندها تسقط دعوى تزمّت المحجّبات؛ لأنّ فعلهن موافق لأمر صاحب الشرع جلّ وعلا؛ فلم يمنع مباحًا, ولم يضيّق واسعًا!

رابعا/ إنّ القائل إنّ الحجاب تزمّت لم يدرك من حقيقة الحجاب شيئًا؛ وإنّما غُمّ عليه بفعل اتّخاذ الواقع (مصدرًا للفكر) لا (موضوعًا للفكر) !

إنّ هذا المعترض قد نظر فيما حوله؛ فرأى أنّ التغريب والعالمانيّة والحداثة وما بعدها, كلّها قد أنشأت مظهرًا في اللباس له خصوصيّة ومقاس.. ولأنّ هذا المعترض يميل إلى الحكم على ما يبدو من السطح, دون أن ينزع إلى الغوص في العمق؛ فقد ظنّ أن واقع بلادنا هو الذي يفرض أشكال اللباس التي تناسبه وتتساوق مع أنماطه الحياتيّة ومعاييره الجماليّة.. وهو عين الخلل في التفكير!

إنّ الواقع موضوع للتفكير والحكم والتغيير, وليس هو أصلٌ لمعرفة الحسن والقبيح.. إنّنا مطالبون بأن نغيّر الواقع حتّى يوافق أفكارنا الصائبة, ولسنا مطالبين بأن نجعل أنفسنا عرضة لتقلّب الواقع, وتغيّر أنفس الناس, وتحكم أهوائهم في أفكارهم..

إنّ عبارة ((التزمّت)) هي عبارة حمّالة أوجه, لا يمكن ضبط معناها إلاّ بتحديد معيار نعرف به الاعتدال والتطرّف, والرخاوة والشدّة, والانضباط والانفلات.. وإذا غيّرت (المعيار) ؛ تغيّر حكمك على الوسط والأطراف, والحقّ والباطل, والهدى والضلال..

وكمثال يجلّي الحال؛ أقول: توجد في بلاد الغرب بعض المناطق التي يرتادها مجموعة من الناس يسمّون بـ ((nudists)) يتبنون فلسفة ((العري)) ((Nudism)) , وهم: رجالاً ونساءً, لا يلبسون شيئًا, عوراتهم المغلّظة مكشوفة, وهم يعتبرون أنّ هذا هو السبيل السويّ للحياة, وأن تغطية العورات هو من التكلّف الاجتماعي المصطنع, وأنّ الأصل أن يكتفي المرء بجلده, ويستغني عن كلّ لباس.. فلو مشت بينهم امرأة تلبس ملابس البحر؛ فسيبدو شكلها منكرًا, وفعلها مستهجنًا؛ لأنّها خالفت ما يرونه اعتدالاً, بترك تغطية أيّ شيء من البدن.. (١)


(١) انظر في فلسفة هذه (الطائفة) وتاريخها؛Frances Merrill, Among the Nudists, Early Naturism, Read Books, ٢٠٠٨ , وقد نشر هذا الكتاب أوّلاً سنة ١٩٣٠م, وفيه دفاع عن (حق) العري في المجامع العامة!

<<  <   >  >>