الجنادل في القبر.. ولذلك فعليه أن يعبّ من نعيم هذا الوجود الزائل عبًا؛ فإنّ وجوده في حقيقته هو خيال زائف لا يخفي وراءه آخرة للحساب.. إنّه وجود ترابيّ رخيص لا يستحقّ أن يكبح فيه الإنسان جوارحه عن كلّ لذة متاحة, فإنّ الفناء يشمل الجميع, بلا عودة..
إنّ هذا الفهم المميّز للحريّة, ليحمل فهمًا عدميًا للحياة حيث تستوي كلّ الأشياء لأنّها تسير إلى (لاشيء) .. فلا يجوز عندها أن نمنع هذا الكائن الذي يعيش في كون (العبث) , من أن يمتّع حواسه بشيء من (اللذائذ) المتاحة بين أكوام الكدر..
إنّ هذه الحريّة بأصولها وإفرازاتها, لتتعارض كليًا مع الفهم الإسلامي لمعنى (الوجود) وحقيقة (الاستخلاف) على الأرض.. إنّ هذه الدنيا, ممر, وليست بمستقرّ.. وهي دار اختبار, لا دار قرار.. وفيها تمتحن القلوب والجوارح, وفيها تحاسب الأنفس على الأفعال والتوارك.. فهل يصح مع ذلك أن يُردّ الحجاب لمجرّد أنّه يمنع من ممارسة هذه الحريّة بإطلاقها وتهوّرها؟!
رابعًا/ هل المرأة التي تلبس ما (تريد) وتكشف ما (تشاء) هي حرّة في نفسها, مالكة لزمام أمرها؟!
إنّه علينا أن نعرف من يصنع معيار الجمال؛ لنعرف حقيقة (إرادة) المرأة في ممارسة التعبير عنه..!
إنّ الجمال –كقيمة ومعيار- في العالم الذي يترك للمرأة-ظاهريًا- أن تعبّر عنه بما شاءت, لهو في حقيقته صناعة خالصة للمنتفعين من شركات التجميل وما تفرّع عنها, وهو أيضًا أسير للرجال الذين لا يرون المرأة (الصالحة) إلاّ (لحمًا غضًا) و (ألوانًا صارخة ساحرة) .. ثم تتلاشى (المرأة) , فلا وجود لها خارج القوالب الجماليّة (المصنوعة) ..
إنّ هذه المصانع التجاريّة, وتلك الشهوات الرجاليّة الأنانيّة النهمة, لهي في الحقيقة من ترسم للمرأة الرافضة للستر, معاني (الحريّة) ومقاييس (الجمال) , فإن سلكت هذه المرأة غير الطريق الذي رسم لها, واختارت غير ما اختاروا لها؛ فسيسقطونها, لأنّها لا تملك من إرادتها شيئًا