للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الأول]

[في اثبات نبوة نبينا محمد]

[صلى الله عليه وسلم]

وإنما نفتقر إلى إثبات نبوته، على الخصوص، وعلى ثلاثة فرق: الفرقة الأولى، العيسوية: حيث ذهبوا إلى أنه رسول إلى العرب فقط لا إلى غيرهم، وهذا ظاهر البطلان فإنهم اعترفوا بكونه رسولاً حقاً، ومعلوم أن الرسول لا يكذب، وقد ادعى هو أنه رسول مبعوث إلى الثقلين، وبعث رسوله إلى كسرى وقيصر وسائر ملوك العجم وتواتر ذلك منه فما قالوه محال متناقض.

الفرقة الثانية، اليهود: فإنهم انكروا صدقه لا بخصوص نظر فيه وفي معجزاته، بل زعموا أنه لا نبي بعد موسى عليه السلام، فأنكروا نبوة محمد وعيسى عليهما السلام. فينبغي أن تثبت عليهم نبوة عيسى لأنه ربما يقصر فهمهم عن درك إعجاز القرآن ولا يقصرون عن درك إعجاز إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فيقال لهم ما الذي حملكم على التفريق بين من يستدل على صدقه بإحياء الموتى وبين من يستدل بقلب العصا ثعباناً؟ ولا يجدون إليه سبيلاً البتة، إلا أنهم ضلوا بشبهتين: إحداهما، قولهم: النسخ محال في نفسه لأنه يدل على البدء والتغيير وذلك محال على الله تعالى، والثانية لفهم بعض الملحدة أن يقولوا: قد قال موسى عليه السلام: عليكم بديني ما دامت السموات والأرض، وإنه قال إني خاتم الأنبياء.

أما الشبهة الأولى فبطلانها بفهم النسخ، وهو عبارة عن الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت المشروط استمراره بعد لحقوق خطاب يرفعه، وليس من المحال أن يقول السيد لعبده قم مطلقاً، ولا يبين له مدة القيام، وهو يعلم أن القيام مقتضى منه إلى وقت بقاء مصلحته في القيام، ويعلم مدة مصلحته ولكن لا ينبه عليها، ويفهم العبد أنه مأمور بالقيام مطلقاً وأن الواجب الاستمرار عليه أبداً إلا أن يخاطبه السيد بالقعود؛ فإذا خاطبه بالقعود قعد ولم يتوهم بالسيد أنه بدا له أو ظهرت له مصلحة كان لا يعرفها، والآن قد عرفها، بل يجوز أن يكون قد عرف مدة مصلحة القيام وعرف أن الصلاح في أن لا ينبه العبد عليها ويطلق الأمر له إطلاقاً حتى يستمر على الامتثال، ثم إذا تغيرت مصلحته أمره بالقعود، فهكذا ينبغي أن يفهم اختلاف

<<  <   >  >>