فقول القائل لم ميزت الشيء عن مثله كقوله لم كانت الإرادة إرادة والقدرة قدرة، وهو محال، وكل فريق مضطر إلى اثبات صفة شأنها تمييز الشيء عن مثله وليس ذلك إلا الإرادة، فكان أقوم الفرق قيلاً وأهداهم سبيلاً من أثبت هذه الصفة ولم يجعلها حادثة، بل قال هي قديمة متعلقة بالأحداث في وقت مخصوص، فكان الحدوث في ذلك الوقت لذلك، وهذا ما لا يستغني عنه فريق من الفرق وبه ينقطع التسلسل في لزوم هذا السؤال.
والآن فكما تمهد القول في أصل الإرادة فاعلم انها متعلقة بجميع الحادثات عندنا من حيث أنه ظهر أن كل حادث فمخترع بقدرته، وكل مخترع بالقدرة محتاج إلى ارادة تصرف القدرة إلى المقدور وتخصصها به، فكل مقدور مراد، وكل حادث مقدور، فكل حادث مراد والشر والكفر والمعصية حوادث، فهي إذاً لا محالة مرادة. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهذا مذهب السلف الصالحين ومعتقد أهل السنة أجمعين وقد قامت عليه البراهين.
وأما المعتزلة فإنهم يقولون إن المعاصي كلها والشرور حادثة بغير إرادته، بل هو كاره لها. ومعلوم أن أكثر ما يجري في العالم المعاصي فإذاً ما يكرهه أكثر مما يريده فهو إلى العجز والقصور أقرب بزعمهم، تعالى رب العالمين عن قول الظالمين.
فإن قيل: فكيف يأمر بما لا يريد؟ وكيف يريد شيئاً وينهى عنه؟ وكيف يريد الفجور والمعاصي والظلم والقبيح ومريد القبيح سفيه؟ قلنا: إذا كشفنا عن حقيقة الأمر وبينا أنه مباين للإرادة وكشفنا عن القبيح والحسن وبينا أن ذلك يرجع إلى موافقة الأعراض ومخالفتها، وهو سبحانه منزه عن الأعراض فاندفعت هذه الإشكالات وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
[الصفة الخامسة والسادسة]
[في السمع والبصر]
ندعي ان صانع العالم سميع بصير، ويدل عليه الشرع والعقل. أما الشرع فيدل عليه آيات من القرآن كثيرة كقوله " وهو السميع البصير " وكقول إبراهيم عليه السلام لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يعني عنك شيئاً ونعلم أن الدليل غير منقلب عليه في معبوده وأنه كان يعبد سميعاً بصيراً ولا يشاركه في الإلزام.
فإن قيل: إنما أريد به العلم.
قلنا: إنما تصرف ألفاظ الشارع عن موضوعاتها المفهومة السابقة إلى الأفهام إذا كان يستحيل تقديرها على الموضوع، ولا استحالة في كونه سميعاً بصيراً، بل يجب أن