للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التمهيد الأول في بيان أن]

[الخوض في هذا العلم مهم في الدين]

اعلم أن صرف الهمة إلى ما ليس بمهم، وتضييع الزمان بما عنه بد هو غاية الضلال ونهاية الخسران سواء كان المنصرف إليه بالهمة من العلوم أو من الأعمال، فنعوذ بالله من علم لا ينفع. وأهم الأمور لكافة الخلق نيل السعادة الأبدية واجتناب الشقاوة الدائمة، وقد ورد الأنبياء وأخبروا الخلق بأن لله تعالى على عباده حقوقاً ووظائف في أفعالهم وأقوالهم وعقائدهم. وأن من لم ينطق بالصدق لسانه ولم ينطو على الحق ضميره ولم تتزين بالعدل جوارحه فمصيره إلى النار وعاقبته للبوار. ثم لم يقتصروا على مجرد الإخبار بل استشهدوا على صدقهم بأمور غريبة وأفعال عجيبة خارقة للعادات خارجة عن مقدورات البشر، فمن شاهدها أو سمع أحوالها بالأخبار المتواترة سبق إلى عقله إمكان صدقهم، بل غلب على ظنه ذلك بأول السماع قبل أن يمعن النظر في تمييز المعجزات عن عجائب الصناعات. وهذا الظن البديهي أو التجويز الضروري ينزع الطمأنينة عن القلب ويحشوه بالاستشعار والخوف ويهيجه للبحث والافتكار ويسلب عنه الدعة والقرار ويحذره مغبة التساهل والإهمال ويقرر عنده أن الموت آت لا محالة وأن ما بعد الموت منطو عن أبصار الخلق وأن ما أخبر به هؤلاء غير خارج عن حيز الإمكان. فالحزم ترك التواني في الكشف عن حقيقة هذا الأمر. فما هؤلاء مع العجائب التي أظهروها في إمكان صدقهم قبل البحث عن تحقيق قولهم بأقل من شخص واحد يخبرنا عن خروجنا من دارنا ومحل استقرارنا بأن سبعاً من السباع قد دخل الدار فخذ حذرك واحترز منه لنفسك جهدك، فإنا بمجرد السماع إذا رأينا ما أخبرنا عنه في محل الامكان والجواز لم نقدم على الدخول وبالغنا في الاحتراز فالموت هو المستقر والوطن قطعاً، فكيف لا يكون الاحتراز لما بعده مهماً؟ فإذن أهم الممات أن نبحث عن قوله الذي قضى الذهن في بادئ الرأي وسابق النظر بامكانه أهو محال في نفسه على التحقيق أو هو حق لا شك فيه؟ فمن

<<  <   >  >>