قلنا: واختلف الأصحاب في جواب هذا، والمختار أن تقول هذا نظر يتعلق أحد طرفيه بالمعنى والآخر بإطلاق الاسم من حيث اللغة. فأما حظ المعنى فقد انكشف وهو أن الاقتضاء القديم معقول وإن كان سابقاً على وجود المأمور كما في حق الولد ينبغي أن يقال اسم الأمر ينطلق عليه بعد فهم المأمور ووجوده أم ينطلق عليه قبله؟ وهذا أمر لفظي لا ينبغي للناظر أن يشتغل بأمثاله، ولكن الحق أنه يجوز اطلاقه عليه كما جوزوا تسمية الله تعالى قادراً قبل وجود المقدور، ولم يستبعدوا قادراً ليس له مقدور موجود بل قالوا القادر يستدعي مقدوراً معلوماً لا موجوداً فكذلك الآمر يستدعي مأموراً معلوماً موجوداً والمعدوم معلوم الوجود قبل الوجود، بل يستدعي الأمر مأموراً به كما يستدعي مأموراً ويستدعي آمراً أيضاً والمأمور به يكون معدوماً ولا يقال إنه كيف يكون آمر من غير مأمور به، بل يقال له مأمور به هو معلوم وليس يشترط كونه موجوداً، بل يشترط كونه معدوماً بل من أمر ولده على سبيل الوصية بأمر ثم توفي فأتى الولد بما أوصي به يقال امتثل أمر والده والأمر معدوم والأمر في نفسه معدوم ونحن مع هذا نطلق اسم امتثال الأمر، فإذا لم يستبعد كون المأمور ممتثلاً للأمر ولا وجود للأمر ولا للآمر ولم يستبعد كون الأمر أمراً قبل وجود المأمور به، فمن أين يستدعي وجود المأمور؟ فقد انكشف من هذا حظ اللفظ والمعنى جميعاً ولا نظر إلا فيهما. فهذا ما أردنا أن نذكره في استحالة كونه محلاً للحوادث إجمالاً وتفصيلاً.
[الحكم الرابع]
إن الأسامي المشتقة لله تعالى من هذه الصفات السبعة صادقة عليه أزلاً وأبداً، فهو في القدم كان حياً قادراً عالماً سميعاً بصيراً متكلماً، وأما ما يشتق له من الأفعال كالرازق والخالق والمعز والمذل فقد اختلف في أنه يصدق في الأزل أم لا. وهذا إذا كشف الغطاء عنه تبين استحالة الخلاف فيه.
والقول الجامع أن الأسامي التي يسمى بها الله تعالى أربعة: الأول: أن لا يدل إلا على ذاته كالموجود، وهذا صادق أزلاً وأبداً.
الثاني: ما يدل على الذات مع زيادة سلب كالقديم، فإنه يدل على وجود غير مسبوق بعدم أزلاً، والباقي فإنه يدل على الوجود وسلب العدم عنه آخراً وكالواحد فإنه يدل على الوجود وسلب الشريك، وكالغنى فإنه يدل على الوجود وسلب الحاجة فهذا أيضاً يصدق أزلاً وأبداً لأن ما يسلب عنه يسلب لذاته فيلازم الذات على الدوام.