ليس هو متحركاً بها، وهو محال؟ ثم إن تحرك فيتفاوت من الميزان بقدر طول الحركات وكثرتها لا بقدر مراتب الأجور، فرب حركة بجرء من البدن يزيد إثمها على حركة جميع البدن فراسخ فهذا محال. فنقول: قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا فقال: " توزن صحائف الأعمال فإن الكرام الكاتبين يكتبون الأعمال في صحائف هي أجسام، فإذا وضعت في الميزان خلق الله تعالى في كفتها ميلاً بقدر رتبة الطاعات وهو على ما يشاء قدير ".
فإن قيل: فأي فائدة في هذا؟ وما معنى المحاسبة؟ قلنا: لا نطلب لفعل الله تعالى فائدة: " لا يسأل عما يفعل وهو يسألون ". تم قد دللنا على هذا. ثم أي بعد في أن تكون الفائدة فيه أن يشاهد العبد مقدار أعماله ويعلم أنه مجزي بها بالعدل أو يتجاوز عنه باللطف، ومن يعزم على معاقبة وكيله بجنايته في أمواله أو يعزم على الإبراء فمن أين يبعد أن يعرفه مقدار جنايته بأوضح الطرق ليعلم أنه في عقوبته عادل وفي التجاوز عنه متفضل. هذا إن طلبت الفائدة لأفعال الله تعالى، وقد سبق بطلان ذلك. وأما الصراط فهو أيضاً حق، والتصديق به واجب، لأنه ممكن. فإنه عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم يرده الخلق كافة، فإذا توافوا عليه قيل للملائكة " وقفوهم إنهم مسؤولون " فإن قيل: كيف يمكن ذلك وفيما روى أدق من الشعر وأحد من السيف، فكيف يمكن المرور عليه؟ قلنا هذا إن صدر ممن ينكر قدرة الله تعالى، فالكلام معه في إثبات عموم قدرته وقد فرغنا عنها. وإن صدر من معترف بالقدرة فليس المشي على هذا بأعجب من المشي في الهواء، والرب تعالى قادر على خلق قدرة عليه، ومعناه أن يخلق له قدرة المشي على الهواء ولا يخلق في ذاته هوياً إلى أسفل، ولا في الهواء انحراف، فإذا أمكن هذا في الهواء فالصراط أثبت من الهواء بكل حال.
[الفصل الثاني:]
[في الاعتذار عن الإخلال بفصول]
شحنت بها المعتقدات فرأيت الإعراض عن ذكرها أولى لأن المعتقدات المختصرة حقها أن لا تشتمل إلا على المهم الذي لا بد منه في صحة الاعتقاد.