للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: هذا يلزمكم في الإدراك الحاصل بالشم والذوق واللمس لأن فقدها نقصان ووجودها كمال في الإدراك، فليس كمال علم من علم الرائحة ككمال علم من أدرك بالشم، وكذلك بالذوق فأين العلم بالطعوم من إدراكها بالذوق.

والجواب إن المحققين من أهل الحق صرحوا بإثبات أنواع الإدراكات مع السمع والبصر والعلم الذي هو كمال في الإدراك دون الأسباب التي هي مقترنة بها في العادة من المماسة والملاقاة، فإن ذلك محال على الله تعالى. كما جوزوا ادراك البصر من غير مقابلة بينه وبين المبصر، وفي طرد هذا القياس دفع هذا السؤال ولا مانع منه ولكن لما لم يرد الشرع إلا بلفظ العلم والسمع والبصر فلم يمكن لنا إطلاق غيره.

وأما ما هو نقصان في الإدراك فلا يجوز في حقه تعالى البتة، فإن قيل يجر هذا إلى إثبات التلذذ والتألم، فالخدر الذي لا يتألم بالضرب ناقص، والعنين الذي لا يتلذذ بالجماع ناقص، وكذا فساد الشهوة نقصان، فينبغي أن نثبت في حقه شهوة، قلنا هذه الأمور تدل على الحدوث وهي في أنفسها إذا بحث عنها نقصانات، وهي محوجة إلى أمور توجب الحدوث، فالألم نقصان، ثم هو محوج إلى سبب هو ضرب، والضرب مماسة تجري بين الأجسام، واللذة ترجع إلى زوال الألم إذا حققت أو ترجع إلى درك ما هو محتاج إليه ومشتاق إليه، والشوق والحاجة نقصان، فالموقوف على النقصان ناقص، ومعنى الشهوة طلب الشيء الملائم ولا طلب إلا عند فقد المطلوب ولا لذة إلا عند نيل ما ليس بموجود، وكل ما هو ممكن وجوده لله فهو موجود فليس يفوته شيء حتى يكون بطلبه مشتهياً وبنيله ملتذاً، فلم تتصور هذه الأمور في حقه تعالى وإذا قيل إن فقد التألم والإحساس بالضرب نقصان في حق الخدر، وإن إدراكه كمال وإن سقوط الشهوة من معدته نقصان، وثبوتها كمال أريد به أنه كمال بالإضافة إلى ضده الذي هو مهلك في حقه، فصار كمالاً بالإضافة إلى الهلاك لأن النقصان خير من الهلاك فهو إذاً ليس كمالاً في ذاته بخلاف العلم وهذه الادراكات.

[الصفة السابعة]

[الكلام]

ندعي أن صانع العالم متكلم كما أجمع عليه المسلمون، واعلم أن من أراد إثبات الكلام بأن العقل يقضي بجواز كون الخلق مرددين تحت الأمر والنهي وكل صفة جائزة في المخلوقات تستند إلى صفة واجبة في الخالق، فهو في شطط، إذ يقال له: إن أردت جواز كونهم مأمورين من جهة الخلق الذين يتصور منهم الكلام، فمسلم، وإن أردت جوازه على العموم من الخلق والخالق فقد أخذت محل النزاع مسلماً في نفس الدليل وهو غير مسلم، ومن أراد إثبات الكلام بالإجماع أو بقول الرسول فقد سام نفسه خطة خسف لأن الإجماع يستند إلى قول الرسول عليه السلام ومن أنكر كون

<<  <   >  >>