على نفسها، والمنطقة عبارة عن دائرة عظيمة على وسط الكرة بعدها من النقطتين واحد.
فنقول: جرم الفلك الأقصى متشابه، وما من نقطة إلا ويتصور أن تكون قطباً. فما الذي أوجب تعيين نقطتين من بين سائر النقط التي لا نهاية لها عندهم، فلا بد من وصف زائد على الذات من شأنه تخصيص الشيء عن مثله وليس ذلك إلا الإرادة. وقد استوفينا تحقيق الالتزامين في كتاب التهافت. وأما المعتزلة فقد اقتحموا أمرين شنيعين باطلين: أحدهما، كون الباري تعالى مريداً بإرادة حادثة لا في محل، وإذا لم تكن الإرادة قائمة به فقول القائل إنه مريدها هجر من الكلام، كقوله إنه مريد بإرادة قائمة بغيره.
والثاني، أن الإرادة لم حدثت في هذا الوقت على الخصوص، فإن كانت بإرادة أخرى فالسؤال في الإرادة الأخرى لازم، ويتسلسل إلى غير نهاية، وإن كان ليس بإرادة فليحدث العالم في هذا الوقت على الخصوص لا بارادة، فإن افتقار الحادث إلى الارادة لجوازه لا لكونه جسماً أو اسماً أو إرادة أو علماً. والحادثات في هذا متساوية، ثم لم يتخلصوا من الإشكال إذ يقال لهم لم حدثت الإرادة في هذا الوقت على الخصوص ولم حدثت إرادة الحركة دون إرادة السكون، فإن عندهم يحدث لكل حادث إرادة حادثة متعلقة بذلك الحادث فلم لم تحدث إرادة تتعلق بضده؟ وأما الذين ذهبوا إلى حدوث الإرادة في ذاته تعالى لا متعلقة بذلك الحادث فقد دفعوا أحد الإشكالين وهو كونه مريداً بإرادة في غير ذاته ولكن زادوا إشكالاً آخر وهو كونه محلاً للحوادث، وذلك يوجب حدوثه. ثم قد بقيت عليهم بقية الإشكال ولم يتخلصوا من السؤال.
وأما أهل الحق فإنهم قالوا إن الحادثات تحدث بإرادة قديمة تعلقت بها فميزتها عن أضدادها المماثلة لها، وقول القائل إنه لم تعلقت بها وأضدادها مثلها في الامكان، هذا سؤال خطأ فإن الإرادة ليست إلا عبارة عن صفة شأنها تمييز الشيء على مثله.
فقول القائل لم ميزت الإرادة الشيء عن مثله، كقول القائل لم أوجب العلم انكشاف المعلوم، فيقال: لا معنى للعلم إلا ما أوجب انكشاف المعلوم، فقول القائل لم أوجب الانكشاف كقوله لم كان العلم علماً، ولم كان الممكن ممكناً، والواجب واجباً، وهذا محال؛ لأن العلم علم لذاته وكذا الممكن والواجب وسائر الذوات، فكذلك الإرادة وحقيقتها تمييز الشيء عن مثله.