قائل يقول إن العالم وجد لذات الله سبحانه وتعالى وإنه ليس للذات صفة زائدة البتة، ولما كان الذات قديمة كان العالم قديماً وكانت نسبة العالم إليه كنسبة المعلول إلى العلة، ونسبة النور إلى الشمس، والظل إلى الشخص؛ وهؤلاء هم الفلاسفة.
وقائل يقول إن العالم حادث ولكن حدث في الوقت الذي حدث فيه لا قبله ولا بعده لإرادة حادثة حدثت له لا في محل فاقتضت حدوث العالم، وهؤلاء هم المعتزلة.
وقائل يقول حدث بإرادة حادثة حدثت في ذاته، وهؤلاء هم القائلون بكونه محلاً للحوادث. وقائل يقول حدث العالم في الوقت الذي تعلقت الارادة القديمة بحدوثه في ذلك الوقت، من غير حدوث إرادة ومن غير تغير صفة القديم، فانظر إلى الفرق وانسب مقام كل واحد إلى الآخر، فإنه لا ينفك فريق عن إشكال لا يمكن حله إلا إشكال أهل السنة فإنه سريع الانحلال.
أما الفلاسفة فقد قالوا بقدم العالم، وهو محال، لأن الفعل يستحيل أن يكون قديماً؛ إذ معنى كونه فعلاً أنه لم يكن ثم كان، فإن كان موجوداً مع الله أبداً فكيف يكون فعلاً؟ بل يلزم من ذلك دورات لا نهاية لها على ما سبق، وهو محال من وجوه، ثم إنهم مع اقتحام هذا الإشكال لم يتخلصوا من أصل السؤال وهو أن الإرادة لم تعلقت بالحدوث في وقت مخصوص لا قبله ولا بعده، مع تساوي نسب الأوقات إلى الإرادة، فإنهم إن تخلصوا عن خصوص الوقت لم يتخلصوا عن خصوص الصفات، إذ العالم مخصوص بمقدار مخصوص ووضع مخصوص، وكانت نقايضها ممكنة في العقل، والذات القديمة لا تناسب بعض الممكنات دون بعض، ومن أعظم ما يلزمهم فيه، ولا عذر لهم عنه أمران أوردناهما في كتاب تهافت الفلاسفة ولا محيص لهم عنهما البتة: أحدهما، أن حركات الأفلاك بعضها مشرقية أي من المشرق إلى المغرب، وبعضها مغربية أي من مغرب الشمس إلى المشرق، وكان عكس ذلك في الإمكان مساوياً له، إذ الجهات في الحركات متساوية، فكيف لزم من الذات القديمة أو من دورات الأفلاك وهي قديمة عندهم أن تتعين جهة عن جهة تقابلها وتساويها من كل وجه؟ وهذا لا جواب عنه.
الثاني، أن الفلك الأقصى الذي هو الفلك التاسع عندهم المحرك لجميع السماوات بطريق القهر في اليوم والليلة مرة واحدة يتحرك على قطبين شمالي وجنوبي، والقطب عبارة عن النقطتين المتقابلتين على الكرة الثابتتين عند حركة الكرة