للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تميزه، وليس ذلك إلا التولية أو التفويض من غيره، فإنما يتعين للإمامة مهما وجدت التولية في حقه على الخصوص من دون غيره، فيبقى الآن النظر في صفة المولى فإن ذلك لا يسلم لكل أحد بل لا بد فيه من خاصية وذلك لا يصدر إلا من أحد ثلاثة: إما التنصيص من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، وإما التنصيص من جهة إمام العصر بأن يعين لولاية العهد شخصاً معيناً من أولاده أو سائر قريش، وإما التفويض من رجل ذي شوكة يقتضي انقياده وتفويضه متابعة الآخرين ومبادرتهم إلى المبايعة، وذلك قد يسلم في بعض الأعصار لشخص واحد مرموق في نفسه مرزوق بالمتابعة مسؤول على الكافة، ففي بيعته وتفويضه كفاية عن تفويض غيره لأن المقصود أن يجتمع شتات الآراء لشخص مطاع وقد صار الإمام بمبايعة هذا المطاع مطاعاً، وقد لا يتفق ذلك لشخص واحد بل لشخصين أو ثلاثة أو جماعة فلا بد من اجتماعهم وبيعتهم واتفاقهم على التفويض حتى تتم الطاعة. بل أقول: لو لم يكن بعد وفاة الإمام الاقرشي واحد مطاع متبع فنهض بالإمامة وتولاها بنفسه ونشأ بشوكته وتشاغل بها واستتبع كافة الخلق بشوكته وكفايته وكان موصوفاً بصفات الأئمة فقد انعقدت إمامته ووجبت طاعته، فإنه تعين بحكم شوكته وكفايته، وفي منازعته إثارة الفتن إلا أن من هذا حاله فلا يعجز أيضاً عن أخذ البيعة من أكابر الزمان وأهل الحل والعقد، وذلك أبعد من الشبهة فلذلك لا يتفق مثل هذا في العادة إلا عن بيعة وتفويض. فإن قيل: فإن كان المقصود حصول ذي رأي مطاع يجمع شتات الآراء ويمنع الخلق من المحاربة والقتال ويحملهم على مصالح المعاش والمعاد، فلو انتهض لهذا الأمر من فيه الشروط كلها سوى شروط القضاء ولكنه مع ذلك يراجع العلماء ويعمل بقولهم فماذا ترون فيه، أيجب خلعه ومخالفته أم تجب طاعته؟ قلنا: الذي نراه ونقطع أنه يجب خلعه إن قدر على أن يستبدل عنه من هو موصوف بجميع الشروط من غير إثارة فتنة وتهييج قتال، وإن لم يكن ذلك إلا بتحريك قتال وجبت طاعته وحكم بإمامته لأن ما يفوتنا من المصارفة بين كونه عالماً بنفسه أو مستفتياً من غيره دون ما يفوتنا بتقليد غيره إذا افتقرنا إلى تهييج فتنة لا ندري عاقبتها. وربما يؤدي ذلك إلى هلاك النفوس والأموال، وزيادة صفة العلم إنما تراعى مزية وتتمة للمصالح فلا يجوز أن يعطل أصل المصالح في التشوق إلى مزاياها وتكملاتها، وهذه مسائل فقهية فيلون المستعبد لمخالفته المشهود على نفسه استبعاده ولينزل من غلوائه فالأمر أهون مما يظنه، وقد استقضينا تحقيق هذا المعنى في الكتاب الملقب بالمستظهري المصنف في الرد على الباطنية،

<<  <   >  >>