للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه دون زيد بل نعقل زيداً الطويل، فطول زيد يعلم تابعاً لوجود زيد ويلزم من تقدير عدم زيد بطلان طول زيد، فليس لطول زيد قوام في الوجود وفي العقل دون زيد. فاختصاصه بزيد ذاتي له، أي هو لذاته لا لمعنى زائد عليه هو اختصاص، فإن بطل ذلك الاختصاص بطلت ذاته والانتقال يبطل الاختصاص فتبطل ذاته، إذ ليس اختصاصه بزيد زائداً على ذاته، أعني ذات العرض، بخلاف اختصاص الجوهر بالحيز فإنه زائد عليه فليس في بطلانه، بالانتقال ما يبطل ذاته، ورجع الكلام إلى أن الانتقال يبطل الاختصاص بالمحل، فإن كان الاختصاص زائداً على الذات لم تبطل به الذات، وإن لم يكن معنى زائداً بطلت ببطلانه الذات، فقد انكشف هذا وآل النظر إلى أن اختصاص العرض بمحله لم يكن زائداً على ذات العرض كاختصاص الجوهر بحيزه، وأما العرض فإنه عقل بالجوهر لا بنفسه فذات العرض وكونه للجوهر المعين وليس له ذات سواه. فإذا قدرنا مفارقته لذلك الجوهر المعين فقد قدرنا عدم ذاته، وإنما فرضنا الكلام في الطول لتفهيم المقصود فإنه وإن لم يكن عرضاً ولكنه، عبارة عن كثرة الأجسام في جهة واحدة، ولكنه مقرب لغرضنا إلى الفهم، فإذا فهم فلننقل البيان إلى الأعراض. وهذا التوفيق والتحقيق وإن لم يكن لائقاً بهذا الإيجاز ولكن افتقر إليه لأن ما ذكر فيه غير مقنع ولا شاف. فقد فرغنا من إثبات أحد الأصلين، وهو أن العالم لا يخلو عن الحوادث، فإنه لا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثات وليسا بمنتقلين، مع أن الإطناب ليس في مقابلة خصم معتقد، إذ أجمع الفلاسفة على أن أجسام العالم لا تخلو عن الحوادث، وهم المنكرون لحدوث العالم، فإن قيل: فقد بقي الأصل الثاني وهو قولكم إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث فما الدليل عليه؟ قلنا: لأن العالم لو كان قديماً مع أنه لا يخلو عن الحوادث، لثبتت حوادث لا أول لها وللزم أن تكون دورات الفلك غير متناهية الاعداد، وذلك محال لأن كل ما يفضي إلى المحال فهو محال، ونحن نبين أنه يلزم عيه ثلاثة محالات: الأول - أن ذلك لو ثبت لكان قد انقضى ما لا نهاية له، ووقع الفراغ منه وانتهى، ولا فرق بين قولنا انقضى ولا بين قولنا انتهى ولا بين قولنا تناهى، فيلزم أن يقال قد تناهى ما لا يتناهى، ومن المحال البين أن يتناهى ما لا يتناهى وأن ينتهي وينقضي ما لا يتناهى.

الثاني - أن دورات الفلك إن لم تكن متناهية فهي إما شفع وإما وتر، وإما لا شفع ولا وتر، وإما شفع ووتر معاً. وهذه الأقسام الأربعة محال؛ فالمفضي إليها

<<  <   >  >>