للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثرى وارتفع إلى الثريا، على تقدير أن الثريا أعلى الكواكب والثرى أسفل المواضع. فإن قيل: فلم خصص بالليالي، فقال ينزل كل ليلة؟ قلنا: لأن الخلوات مظنة الدعوات والليالي أعدت لذلك، حيث يسكن الخلق وينمحي عن القلوب ذكرهم، ويصفوا لذكر الله تعالى قلب الداعي، فمثل هذا الدعاء هو المرجو الاستجابة لا ما يصدر عن غفلة القلوب عند تزاحم الاشتغال.

الدعوى التاسعة: ندعي أن الله سبحانه وتعالى مرئي، خلافاً للمعتزلة، وإنما أوردنا هذه المسألة في القطب الموسوم بالنظر في ذات الله سبحانه وتعالى لأمرين: أحدهما أن ننفي الرؤية عما يلزم على نفي الجهة، فأردنا أن نبين كيف يجمع بين نفي الجهة وإثبات الرؤية. والثاني أنه سبحانه وتعالى عندنا مرئي لوجوده ووجود ذاته، فليس ذلك إلا لذاته، فإنه ليس لفعله ولا لصفة من الصفات، بل كل موجود ذات فواجب أن يكون مرئياً، كما أنه واجب أن يكون معلوماً، ولست أعني به أنه واجب أن يكون معلوماً ومرئياً بالفعل بل بالقوة، أي هو من حيث ذاته له، فإن امتنع وجود الرؤية فلأمر آخر خارج عن ذاته، كما نقول: الماء الذي في النهر مرو، والخمر الذي في الدن مسكر، وليس كذلك لأنه يسكر ويروي عند الشرب ولكن معناه أن ذاته مستعدة لذلك فإذا فهم المراد منه فالنظر في طرفين: أحدهما في الجواز العقلي، والثاني في الوقوع الذي لا سبيل إلى دركه إلا بالشرع، ومهما دل الشرع على وقوعه فقد دل أيضاً لا محالة على جوازه ولكنا ندل بمسلكين واقعين عقليين على جوازه.

المسلك الأول، هو أنا نقول أن الباري سبحانه موجود وذات، وله ثبوت وحقيقة، وإنما يخالف سائر الموجودات في استحالة كونه حادثاً أو موصوفاً بما يدل على الحدوث، أو موصوفاً بصفة تناقض صفات الالهية من العلم والقدرة وغيرهما. فكل ما يصح لموجود فهو يصح في حقه تعالى إن لم يدل على الحدوث ولم يناقض صفة من صفاته. والدليل عليه تعلق العلم به؛ فإنه لما لم يؤد إلى تغير في ذاته ولا إلى مناقضة صفاته ولا إلى الدلالة على الحدوث، سوى بينه وبين الأجسام والأعراض في جواز تعلق العلم بذاته وصفاته. والرؤية نوع علم لا يوجب تعلقه بالمرئي تغير صفة ولا يدل على حدوث، فوجب الحكم بها على كل موجود،

<<  <   >  >>