قلنا: أما سؤاله الرؤية في الدنيا فهو دليل على عدم معرفته بوقوع وقت ما هو جائز في نفسه، والأنبياء كلهم عليهم أفضل السلام لا يعرفون من الغيب إلا ما عرفوا، وهو القليل، فمن أين يبعد أن يدعو النبي عليه أفضل السلام كشف غمة وإزالة بلية وهو يرتجي الإجابة في وقت لم تسبق في علم الله تعالى الإجابة فيه. وهذا من ذلك الفن.
وأما قوله سبحانه " لن تراني " فهو دفع لما التمسه، وإنما التمس في الآخرة، فلو قال أرني انظر إليك في الآخرة، فقال لن تراني، لكان ذلك دليلاً على نفي الرؤية، ولكن في حق موسى صلوات الله سبحانه وسلامه عليه في الخصوص لا على العموم. وما كان أيضاً دليلاً على الاستحالة، فكيف وهو جواب عن السؤال في الحال؟
وأما قوله لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به ولا تكتنفه من جوانبه كما تحيط الرؤية بالأجسام، وذلك حق، أو هو عام فأريد بة في الدنيا، وذلك أيضاً حق، وهو ما أراده بقوله سبحانه " لن تراني " في الدنيا. ولنقتصر على هذا القدر في مسألة الرؤية، ولينظر المنصف كيف افترقت الفرق وتحزبت إلى مفرط ومفرط.
أما الحشوية فإنهم لم يتمكنوا من فهم موجود إلا في جهة، فأثبتوا الجهة حتى ألزمتهم بالضرورة الجسمية والتقدير والاختصاص بصفات الحدوث.
وأما المعتزلة وفانهم نفوا الجهة ولم يتمكنوا من إثبات الرؤية دونها، وخالفوا به قواطع الشرع، وظنوا أن في إثباتها إثبات الجهة، فهؤلاء تغلغلوا في التنزيه محترزين من التشبيه، فأفرطوا. والحشوية أثبتوا الجهة احترازاً من التعطيل فشبهوا، فوقف الله سبحانه أهل السنة للقيام بالحق، فتفطنوا للمسلك القصد وعرفوا أن الجهة منقية لأنها للجسمية تابعة وتتمة، وأن الرؤية ثابتة لأنها رديف العلم وفريقه، وهي تكملة له؛ فانتفاء الجسمية أوجب انتفاء الجهة التي من لوازمها. وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية التي هي من روادفه وتكملاته ومشاركة له في خاصيته، وهي أنها لا توجب تغييراً في ذات المرئي، بل تتعلق به على ما هو عليه كالعلم. ولا يخفى عن عاقل أن هذا هو الاقتصاد في الاعتقاد.
الدعوى العاشرة: ندعي أنه سبحانه واحد. فإن كونه واحداً يرجع إلى ثبوت ذاته ونفي غيره، فليس هو نظر في صفة زائدة على الذات، فوجب ذكره في هذا القطب.
فنقول: الواحد قد يطلب ويراد به أنه لا يقبل القسمة، أي لا كمية له ولا جزء