عند السلطان الهام بقتله توبيخاً له على ضرب غلامه، بأنه إنما ضربه لعصيانه، وآيته أنه يأمره بين يدي الملك فيعصيه، فإذا أراد الاحتجاج به وقال للغلام بين يدي الملك قم فإني عازم عليك بأمر جزم لا عذر لك فيه ولا يريد أن تقوم فهو في هذا الوقت آمر بالقيام قطعاً، وهو غير مريد للقيام قطعاً، فالطلب الذي قام بنفسه الذي دل لفظ الأمر عليه هو الكلام وهو غير إرادة القيام وهذا واضح عند المصنف.
فإن قيل هذا الشخص ليس بآمر على الحقيقة ولكنه موهم أنه أمر، قلنا: هذا باطل من وجهين: أحدهما، أنه لو لم يكن آمراً لما تمهد عذره عند الملك ولقيل له أنت في هذا الوقت لا يتصور منك الأمر لأن الأمر هو طلب الامتثال ويستحيل أن تريد الآن الامتثال وهو سبب هلاكك، فكيف تطمع في أن تحتج بمعصيتك لأمرك وأنت عاجز عن أمره إذ أنت عاجز عن إرادة ما فيه هلاكك وفي امتثاله هلاكك؟ ولا شك في أنه قادر على الاحتجاج وأن حجته قائمة وممهدة لعذره، وحجته بمعصية الأمر، فلو تصور الأمر مع تحقق كراهة الامتثال لما تصور احتجاج السيد بذلك البتة، وهذا قاطع في نفسه لمن تأمله. والثاني، هو أن هذا الرجل لو حكى الواقعة للمفتيين وحلف بالطلاق الثلاث إني أمرت العبد بالقيام بين يدي الملك بعد جريان عقاب الملك فعصى، لأفتى كل مسلم بأن طلاقه غير واقع وليس للمفتي أن يقول أنا أعلم أن يستحيل أن تريد في مثل هذا الوقت امتثال الغلام وهو سبب هلاكك، والأمر هو إرادة الامتثال فإذا ما أمرت هذا لو قاله المفتي فهو باطل بالاتفاق، فقد انكشف الغطاء ولاح وجود معنى هو مدلول اللفظ زائداً على ما عداه من المعاني، ونحن نسمي ذلك كلاماً وهو جنس مخالف للعلوم والإرادات والاعتقادات، وذلك لا يستحيل ثبوته لله تعالى بل يجب ثبوته فإنه نوع كلام فإذا هو المعني بالكلام القديم.
وأما الحروف فهي حادثة وهي دلالات على الكلام والدليل غير المدلول ولا يتصف بصفة المدلول، وإن كانت دلالته ذاتية كالعالم فإنه حادث ويدل على صانع قديم فمن أين يبعد أن تدل حروف حادثة على صفة قديمة مع أن هذه دلالة بالاصطلاح؟ ولما كان كل كلام النفس دقيقاً زل عى ذهن أكثر الضعفاء فلم يثبتوا إلا حروفاً وأصواتاً ويتوجه لهم على هذا المذهب أسئلة واستبعادات نشير إلى بعضها ليستدل بها على طريق الدفع في غيرها.
الاستبعاد الأول: قول القائل كيف سمع موسى كلام الله تعالى؛ أسمع صوتاً وحرفاً؟ فإن قلتم ذلك فإذا لم يسمع كلام الله فإن كلام الله ليس بحرف، وإن لم