اسم القديم مشترك بين معنيين، فإذا ثبت من وجه لم يستحل نفيه من وجه آخر، فكذا يسمى القرآن وهو جواب عن كل ما يوردونه من الإطلاقات المتناقضة فإن أنكروا كونه مشتركاً، فنقول: أما إطلاقه لإرادة المقروء دل عليه كلام السلف رضي الله عنهم إن القرآن كلام الله سبحانه غير مخلوق، مع علمهم بأنهم وأصواتهم وقراءاتهم وأفعالهم مخلوقة وأما إطلاقه لإرادة القراءة فقد قال الشاعر:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا
يعني القراءة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن والترنم يكون بالقراءة. وقال كافة السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقالوا: القرآن معجزة، وهي فعل الله تعالى إذ علموا أن القديم لا يكون معجزاً فبان أنه اسم مشترك. ومن لم يفهم اشتراك اللفظ ظن تناقضاً في هذه الاطلاقات.
الاستبعاد الخامس: أن يقال: معلوم أنه لا مسموع الآن إلا الأصوات، وكلام الله مسموع الآن بالإجماع وبدليل قوله تعالى " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " فنقول: إن كان الصوت المسموع للمشرك عند الإجارة هو كلام الله تعالى القديم القائم بذاته فأي فضل لموسى عليه السلام في اختصاصه بكونه كليماً لله على المشركين وهم يسمعون؟ ولا يتصور عن هذا جواب إلا أن نقول: مسموع موسى عليه السلام صفة قديمة قائمة بالله تعالى، ومسموع المشرك أصوات دالة على تلك الصفة. وتبين به على القطع الاشتراك إما في اسم الكلام وهو تسمية الدلالات باسم المدلولات، فإن الكلام هو كلام النفس تحقيقاً، ولكن الألفاظ لدلالتها عليه أيضاً تسمى كلاماً كما تسمى علماً؛ إذ يقال سمعت علم فلان وإنما نسمع كلامه الدال على علمه. وأما في اسم المسموع فإن المفهوم المعلوم بسماع غيره قد يسمى مسموعاً، كما يقال: سمعت كلام الأمير على لسان رسوله ومعلوم أن كلام الأمير لا يقوم بلسان رسوله بل المسموع كلام الرسول الدال على كلام الأمير. فهذا ما أردنا أن نذكره في إيضاح مذهب أهل السنة في كلام النفس المعدود من الغوامض، وبقية أحكام الكلام نذكرها عند التعرض لأحكام الصفات.