هو وابن زيدون فرسا رهان، ورضيعا لبان، في التصرف في فنون البيان؛ وهما كانا شاعري ذلك الزمان. وكانت ملوك الأندلس تخافه لبذاءة لسانه، وبراعة إحسانه؛ لا سيما حين اشتمل عليه السلطان المعتمد على الله وأنهضه جليساً وسميراً؛ وقدمه وزيراً ومشيراً، ثم خلع عليه خاتم الملك ووجهه أميراً، وقد كان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً؛ فتبعته المواكب والمضارب، والنجائب والجنائب؛ وانقادت له العساكر والكتائب والجنود، وضربت خلفه الطبول ونشرت على رأسه الرايات والبنود؛ فملك مدينة تدمير، وأصبح راقي منبر وسرير؛ مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير. ثم انتزى على مالك
رقه، ومستوجب شكره ومستحقه. فبادر إلى عقوقه وبخس حقه؛ فتحيل المعتمد عليه، وسدد سهام المكايد إليه؛ حتى حصل في قبضته قنيصا، وأصبح لا يجد له محيصا، إلى أن قتله المعتمد في قصره ليلاً بيده، وأمر من أنزله في ملحده؛ وذلك سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
فمن قوله الرائق، ولفظه الفائق، يمدح السلطان المعتضد بالله أبا عمرو عباد بن محمد:
أدِرِ الزُّجاجَةَ فالنّسيم قد انبرَى ... والنجمُ قد صَرف العنَان عن السُّرَى
والصبحُ قد أهدَى لنا كافورَه ... لما استردَّ الليلُ منا العَنبرَا