وكان الوزير ذو الوزارتين أبو الحسن المذكور ذا بضائع من العلوم والآداب كلها جواهر، وجميعها إذا أدجت الأيام زواهر؛ وكان ذكر بني عباد بالكرم بالمغرب. وقد طار وطبق الأقطار، فقصدهم بتلك البضائع التي لا يروج إلا لديهم نفاقها، ولا تقام إلا عندهم أسواقها؛ فأخفق لاشتغالهم عنه - لا لتقلص ظلال كرمهم - مسعاه، وتكدر مورده وصوح مرعاه؛ فأم غير مورد نداهم موردا، وارتحل عنهم منشدا:
تَعزَّ عن الدُّنيا ومَعروِف أهلها ... إذا عُدمٍ المَعروفُ في آلِ عبْادِ
أقمتُ بهم ضَيْفاً ثلاثَةَ أشهرٍ ... بغَيرْ قرِي ثم انصرفتُ بلا زاد
فندموا على تفريطهم فيه وما فرط من إهمالهم، وقد ألبسهم من العار ما عراهم من حلل الأيادي السابقة من نوالهم.
وله إلى الفقيه العالم الأديب الأحسب، قاضي القضاة بشرق الأندلس ونخبة الأملاك من كلب، أبي أمية إبراهيم بن عصام الكلبي:
لي صاحبُ عَمِيَتْ علىّ شُئُونُه ... حركاتُه مَجْهولةٌ وسُكُونُه
يرتابُ بالأمر الجَلِّيِ تَوهُّماً ... وإذا تَيقَّن نَازَعَتْهُ ظُنُونه
ما زلتُ أحفظه على شَرَقِي به ... فالشَّيبُ تكرَهُه وأنتَ تَصُونه