للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". (١)

قال ابن رجب (ت: ٦٩٥ هـ) -رحمه الله-:

هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث " إنما الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء". (٢)

فلابد أن يكون العمل على وفق ما دل عليه الكتاب والسنة، فكل عمل على خلاف ذلك - فإن الله لا يقبله، حتى ولو أراد به العبد التقرب إلى الله، كما قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) (الغاشية: ٢ - ٤).

فالعمل الذي لا يتوفر فيه شرطا قبول العمل جميعًا فهو مردود على صاحبه غير مقبول كائنًا من كان كما قال عزّ وجلّ: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (الفرقان: ٢٣).

ذلك لأنهم عملوا أعمالًا على خلاف ما شرع لهم ربهم وخالقهم، كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا) (الكهف: ١٠٣ - ١٠٦).

قال ابن القيم -رحمه الله-:

إن الله جعل الإخلاص والمتابعة سببًا لقبول الأعمال فإذا فقدا لم تقبل الأعمال. (٣)

ولم نذكر الإسلام معي شرطي قبول العمل لأنه شرط صحة في قبول جميع الأعمال كما لا يخفى.

وبعد أن علمنا أن تلاوة القرآن أمر تعبدي محض يلزم فيه ما يلزم من سائر العبادات من إخلاص العمل فيه لله ومتابعة هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأتي التساؤل هنا، أي إخلاص يقع في هذا العمل بحيث ينوى التقرب به إلى الله، ثم أي هدي يُتَبع فيه هدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه- كذلك، وفي الجملة فأي إخلاص واتباع يراه العبد في تلاوة القرآن بـ " المقامات الموسيقية"، وأي قربى يراها هذا المخلوق في هذا


(١) صحيح مسلم (٣/ ١٣٤٣) رقم ١٨ (١٧١٨).
(٢) - جامع العلوم والحكم لابن رجب (١/ ١٧٦). جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: ٧٩٥ هـ) المحقق: شعيب الأرناؤوط - إبراهيم باجس الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت الطبعة: السابعة، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م عدد الأجزاء: ٢ (في مجلد واحد).
(٣) - الروح (١/ ١٣٥).

<<  <   >  >>