رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَيَّنُوا بِهَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّ إلَى لِلْغَايَةِ وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا مُطْلَقًا لَكِنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَيْسَتْ الْغَسْلَ بَلْ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِسْقَاطِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ الْغَسْلِ ضَرُورَةً وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَدَ لَمَّا كَانَتْ اسْمًا لِلْمَجْمُوعِ لَا تَكُونُ الْغَايَةُ غَايَةً لِغَسْلِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ غَسْلَ الْمَجْمُوعِ إلَى الْمَرَافِقِ مُحَالٌ فَقَوْلُهُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] يُفْهَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْبَعْضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي سَقَطَ غَسْلُهُ هُوَ الْبَعْضُ الَّذِي يَلِي الْإِبِطَ فَقَوْلُهُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] غَايَةٌ لِسُقُوطِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ السُّقُوطِ (فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَدْخُلُ الْأَوَّلُ لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ لِمَا فَوْقَهُ وَالْكُلُّ بِدُونِ الْجُزْءِ مُحَالٌ (لَا الْآخِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) فَيَجِبُ تِسْعَةٌ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فَتَجِبُ عَشَرَةٌ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِعَشَرَةِ
ــ
[التلويح]
لَمَّا كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وُجُوبَ غَسْلِ الْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ مَعَ وُقُوعِهَا بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ إلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢] أَيْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَبَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ إلَّا عَلَى الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِهِ فَجُعِلَ دَاخِلًا فِي الْوُجُوبِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ أَوْ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ لِتَشَابُكِ عَظْمَاتِ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ أَوْ لِأَنَّهُ صَارَ مُجْمَلًا «وَقَدْ أَدَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءَ عَلَى مَرَافِقِهِ» فَصَارَ بَيَانًا لَهُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ، وَذَكَرُوا لِهَذَا الْكَلَامِ تَفْسِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْغَايَةِ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ إلَى الْإِبِطِ وَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا لَا لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِأَنَّ الِامْتِدَادَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ اغْسِلُوا وَغَايَةً لَهُ لَكِنْ لِأَجْلِ إسْقَاطِ مَا وَرَاءَ الْمَرَافِقِ عَنْ حُكْمِ الْغَسْلِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ، وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُسْقِطِينَ إلَى الْمَرَافِقِ فَيَخْرُجُ عَنْ الْإِسْقَاطِ فَيَبْقَى دَاخِلًا تَحْتَ الْغَسْلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِظُهُورِ أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ، وَلِلْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ هَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قُرِنَ بِالْكَلَامِ غَايَةٌ أَوْ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ لَا يُعْتَبَرُ بِالْمُطْلَقِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالْقَيْدِ عَنْ الْإِطْلَاقِ بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَ الْقَيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَالْفِعْلُ مَعَ الْغَايَةِ كَلَامٌ وَاحِدٌ لِلْإِيجَابِ إلَيْهَا لَا لِلْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِنَصَّيْنِ، وَالنَّصُّ مَعَ الْغَايَةِ نَصٌّ وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَدْخُلُ الْأَوَّلُ) بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ وَدَلَالَةِ الْحَالِ لَا بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ وُجُودِ الْكُلِّ بِدُونِ الْجُزْءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ مَغْلَطَةٌ مِنْ بَابِ اشْتِبَاهِ الْمَعْرُوضِ بِالْعَارِضِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ عَدَدٍ لَكِنْ إذَا رُتِّبَتْ مَعْدُودَاتُ عَشَرَةٍ مَثَلًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ مِنْهَا جُزْءٌ مِمَّا فَوْقَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُ، وَمِمَّا فَوْقَهُ فَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَاشِرِ لَا يَكُونُ إلَّا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، وَهَكَذَا حَتَّى التَّاسِعِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute