للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ النَّهْيَ) ، وَقَدْ ثَبَتَ فِيمَا مَضَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنًا قَبْلَ الْأَمْرِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي كَوْنَهُ قَبِيحًا قَبْلَهُ خِلَافًا لِلْأَشْعَرِيِّ، وَهَذَا مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ الْمُقْتَضَى عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ الْمُقْتَضِيَ وَهُوَ النَّهْيُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ يَكُونُ بَاطِلًا أَيْ لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ شَرْعًا، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُسْتَحِيلِ عَبَثٌ (فَيَثْبُتُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ) ، وَهُوَ الْقُبْحُ لِغَيْرِهِ.

(وَالْبَعْضُ سَلَّمُوا ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِمَا قُلْنَا لَا فِي الْعِبَادَاتِ أَصْلًا فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّ أَخَذَ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَذْهَبَنَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي يَأْتِي أَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَمَذْهَبُهُ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ دَالًّا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ بِسَبَبِ الْقُبْحِ فِي الْمُجَاوِرِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَحِيحَةٌ لَكِنْ عَلَى صِفَةِ الْكَرَاهَةِ (لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ قُلْنَا كُلُّ مُعَيَّنٍ يَأْتِي بِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ بَلْ مُطْلَقُ الْفِعْلِ مَأْمُورٌ بِهِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِإِتْيَانِهِ بِمُعَيَّنٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ ذَاتًا وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَرَضًا، وَالْمَشْرُوعَاتُ تَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ إجْمَاعًا كَالْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، وَالطَّلَاقِ الْحَرَامِ، وَالنِّكَاحِ الْحَرَامِ، وَنَحْوِهِمَا) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا ذَاتًا وَعَرَضًا؛ لِأَنَّهُ

ــ

[التلويح]

وَالنَّهْيِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَا هُوَ نَفْسُ مَفْهُومِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَهُوَ مُحَالٌ إذْ الْمَأْتِيُّ بِهِ لَا يَكُونُ لَا مُعَيَّنًا، وَهُوَ غَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ ضَرُورَةَ تَغَايُرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَا هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِفْرَادِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِالْغَيْرِ لَا يَكُونُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلُهُ هُمَا مُتَضَادَّانِ قُلْنَا: التَّضَادُّ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِذَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِهِ بِالذَّاتِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِالْعَرَضِ فَلَا نُسَلِّمُ تَضَادَّهُمَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الِامْتِنَاعُ لَوْ اتَّحَدَ جِهَتَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ هَذَا الْفِعْلُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً، وَيَحْرُمُ لِكَوْنِهِ غَصْبًا كَالسَّيِّدِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا تَخِطْهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَلَوْ خَاطَهُ فِيهِ يُعَدُّ مُمْتَثِلًا بِالْخِيَاطَةِ وَعَاصِيًا لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.

(قَوْلُهُ فَهَذَا الْجُزْءُ الْقَبِيحُ يَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ) أَيْ مُنْتَهِيًا إلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ قَبِيحًا لِجُزْئِهِ يُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَيْهِ، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ أَيْ وُجُودُ أَجْزَاءٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ أَتَى بِهِ الْمُكَلَّفُ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قُبْحُ ذَلِكَ الْجُزْءِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ قُلْنَا: لِأَنَّ ذَلِكَ الْخَارِجَ إنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْكُلِّ أَيْضًا لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْقَبِيحِ لِجُزْئِهِ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ يُنْقَلُ الْكَلَامُ إلَى قُبْحِهِ.

(قَوْلُهُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا) قَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحُسْنِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَقَبِيحًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ بِأَنْ يَتَرَكَّبَ عَنْ جُزْأَيْنِ أَحَدُهُمَا حَسَنٌ لِعَيْنِهِ، وَالْآخَرُ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ.؟ قُلْنَا: هُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ مِثْلَهُ قَبِيحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>