للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ لِذَاتِهِ، وَمَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ أَوْ مَأْمُورًا بِهِ بِالْعَرَضِ، وَمَنْهِيًّا عَنْهُ بِالْعَرَضِ، أَوْ مَأْمُورًا بِهِ بِالذَّاتِ، وَمَنْهِيًّا عَنْهُ بِالْعَرَضِ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بِحَسَبِ عَيْنِهِ فَيُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِعَيْنِهِ وَقَبِيحًا لِعَيْنِهِ فَيَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ وَأَمَّا بِحَسَبِ جُزْئِهِ فَهَذَا الْجُزْءُ الْقَبِيحُ يَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ فَيَكُونُ بَاطِلًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْكُلُّ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَبِيحَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا لِجُزْءٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ حَسَنًا أَيْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْحُسْنَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ بِالْعَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَسَنٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ فَهَذَا الْقِسْمُ مُمْكِنٌ بَلْ وَاقِعٌ لَكِنْ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْرًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الْعَكْسُ فَيَكُونُ بَاطِلًا لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ فَبَقِيَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُدَّعَى، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيْنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّكُمْ قَدْ اخْتَرَعْتُمْ نَوْعًا مِنْ الْحُكْمِ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْمَشْرُوعَاتِ فَيَكُونُ نَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ فَنَقُولُ فِي جَوَابِهِ الْمَشْرُوعَاتُ تَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ أَيْ كَوْنَهُ حَسَنًا لِعَيْنِهِ قَبِيحًا لِغَيْرِهِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ لِذَاتِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِعَارِضٍ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَوْنَهُ صَحِيحًا وَمَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ

ــ

[التلويح]

لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ إذْ الْحُسْنُ شَرْعًا وَعَقْلًا مَا يَكُونُ حَسَنًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ بِمَنْزِلَةِ الْوُجُودِ وَالْقَبِيحَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَوُجُودُ الْمُرَكَّبِ يَفْتَقِرُ إلَى وُجُودِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ، بِخِلَافِ الْعَدَمِ.

(قَوْلُهُ بَلْ وَاقِعٌ) كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَلَوْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مَأْمُورًا بِهَا أَمْرًا مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلْغَيْرِ لِمَا تَأَدَّى بِهَا الْمَأْمُورُ بِهِ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الرَّابِعُ) هُوَ مَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ وَمَأْمُورًا بِهِ بِالْعَرَضِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحُسْنَ لِذَاتِهِ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ عِبَارَتَانِ عَمَّا يُقَابِلُ الصَّحِيحَ بِمَعْنَى عَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ أَوْ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَبِمَعْنَى خُرُوجِهِ عَنْ السَّبَبِيَّةِ لِلثَّمَرَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَلَا نِزَاعَ فِي التَّسْمِيَةِ، فَإِنَّهَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ، وَلَا فِي أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَجْزَاءِ وَالشُّرُوطِ كَافِيَةٌ) فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ الْوَصْفُ اللَّازِمُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الشُّرُوطِ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ مُجَاوِرًا، وَفِي الصَّوْمِ لَفْظًا لَازِمًا لِمَا سَيَجِيءُ.

(قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ) يَعْنِي شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ نَفْعٌ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>