للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَحْتَمِلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى تِسْعُمِائَةٍ أَلْفًا بِخِلَافِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا خُصَّ مِنْهُمْ نَوْعٌ كَانَ الِاسْمُ وَاقِعًا عَلَى الْبَاقِي بِلَا خَلَلٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَشَرَةِ هُوَ السَّبْعَةُ أَوْ أَطْلَقَ الْعَشَرَةَ عَلَى عَشْرَةِ أَفْرَادٍ ثُمَّ أَخْرَجَ ثَلَاثَةً بَعْدَ الْحُكْمِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَلَا أَظُنُّهُ مَذْهَبَ أَحَدٍ أَوْ قَبْلَهُ ثُمَّ حَكَمَ عَلَى الْبَاقِي أَوْ أَطْلَقَ عَشْرَةً إلَّا ثَلَاثَةً عَلَى السَّبْعَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ سَبْعَةٌ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (فَعَلَى هَذَيْنِ) أَيْ: عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ (يَكُونُ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ (تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي) فِي صَدْرِ الْكَلَامِ (بَعْدَ الثُّنْيَا) أَيْ: الْمُسْتَثْنَى فَفِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً صَدْرُ الْكَلَامِ عَشْرَةٌ، وَالثُّنْيَا ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي فِي صَدْرِ الْكَلَامِ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى سَبْعَةٌ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالسَّبْعَةِ، وَقَالَ لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ فَلِأَنَّ عَشْرَةً إلَّا ثَلَاثَةً مَوْضُوعَةٌ لِلسَّبْعَةِ فَيَكُونُ تَكَلُّمًا بِالسَّبْعَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ مِنْ أَفْرَادِ الْعَشَرَةِ ثُمَّ حَكَمَ عَلَى السَّبْعَةِ فَالتَّكَلُّمُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَكُونُ بِالسَّبْعَةِ أَيْ: يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى السَّبْعَةِ فَقَطْ لَا عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا بِالنَّفْيِ، وَلَا بِالْإِثْبَاتِ.

(إلَّا أَنَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ يَكُونُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَدِيًّا كَالتَّخْصِيصِ بِالْعَلَمِ، وَفِي غَيْرِ

ــ

[التلويح]

مَدْلُولِهِ لَا يُحْتَمَلُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَكُونُ مَرْجُوحًا.

فَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِكَوْنِهِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ هُوَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَدْرِ الْبَاقِي مَجَازًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ قَرِينَةٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ اسْتِعْمَالَ الْمُتَكَلِّمِ لِلْعَشْرَةِ فِي التِّسْعَةِ مَجَازٌ، وَإِلَّا وَاحِدًا قَرِينَةُ الْمَجَازِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَعْدَ الْحُكْمِ أَيْ: أَطْلَقَ الْعَشَرَةَ عَلَى عَشْرَةِ أَفْرَادٍ ثُمَّ أَخْرَجَ ثَلَاثَةً قَبْلَ الْحُكْمِ ثُمَّ حَكَمَ عَلَى الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ، وَهُوَ السَّبْعَةُ.

(قَوْلُهُ: حُجَّتُهُ) قَدْ احْتَجَّ الذَّاهِبُونَ إلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِعَشْرَةٍ كَمَالُهَا أَوْ سَبْعَةٌ إذْ لَا ثَالِثَ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا بِسَبْعَةٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَشْرَةً بِكَمَالِهَا لَامْتَنَعَ مِنْ الصَّادِقِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ لَبْثِ خَمْسِينَ وَنَفْيِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْكُلُّ، وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَعْضِ إذْ الْكَلَامُ يَتِمُّ بِآخِرِهِ، فَلَا فَسَادَ، وَقَدْ أَوْرَدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَ حُجَجٍ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ دُونَ الْبَيَانِ.

وَلَمَّا ذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ مَعْنَاهُ الْقَوْلُ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ جَعَلَهَا حُجَجًا عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ.

تَقْرِيرُ الْأُولَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إعْدَامَ التَّكَلُّمِ أَيْ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّكَلُّمِ الْمَوْجُودِ حَقِيقَةً غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>